كتبت سينتيا عواد في “الجمهورية”:
من المُحتمل جداً أنكم تشكون أخيراً من النسيان: ربما قد دخلتم غرفة معيّنة وفجأة لم تتذكروا ما الذي تريدونه تحديداً، أو نسيتم أين وضعتم مفاتيحكم… فمتى يكون ذلك طبيعياً؟ ومتى يرمز إلى مشكلات أكثر جدّية؟
إنّ فقدان الذاكرة هو طبيعي في مجتمعنا إلى حدّ ما. فمع زيادة المسؤوليات وتفاقم مستويات التوتر، قد تميلون إلى إهمال بعض الأمور الضرورية لأدمغتكم.
من الطبيعي أن تنسوا أين تركتم مفاتيحكم وألّا تتذكّروا اسم شخص معيّن، ولكن إذا نسيتم لمَ ذهبتم إلى المتجر أو إلى منزل أحد معارفكم أو كيف ترجعون إلى البيت؟ فهذا تدعو هذه الأمور فعلاً للقلق! إذا كان النسيان مصدر إزعاج في بعض الأحيان، فقد يعود إلى الأسباب التالية، إستناداً إلى خبير صحّة الدماغ الطبيب سكوت نوردا، من سانت جورج في ولاية يوتا الأميركية:
التوتر الشديد
عندما ينتقل الدماغ باستمرار من موضوع إلى آخر، من الصعب التركيز كما يجب. وللتمكّن من تعلّم شيء ما وتذكّره فعلاً، يجب أن نعطيه الانتباه اللازم. غير أنّ الدماغ المُرتبك والمضطرب يعوق هذا الإجراء. لا بل أكثر من ذلك، فإنّ الارتفاع المُزمن لهورمون التوتر «كورتيزول» يرمي العقل في وضع البقاء على قيد الحياة، الأمر الذي يعمل ضدّ القدرة على تخزين ذكريات جديدة. يكمن الحلّ في البحث عن نشاط يستهويكم ثبُت أنه يُهدّئ التوتر، مثل الرياضة، أو التنزّه في الطبيعة، أو قراءة كتاب… والانخراط فيه يومياً.
قلّة النوم
إنّ تأثير النوم يتخطّى مجرّد المساعدة على الشعور بالانتعاش، واليقظة، والطاقة في اليوم التالي. إذ تبيّن أنه يؤدي دوراً أساسياً في تقوية الذاكرة، أو تحويل الذكريات قصيرة المدى إلى طويلة المدى. أظهرت دراسة نُشرت عام 2014 في «Journal of the American Geriatrics Society» أنّ النساء اللواتي تخطّين منتصف العمر ونِمن إمّا 5 ساعات أو أقلّ أو أكثر من 9 ساعات يومياً سجّلن أسوأ درجات الإدراك مقارنةً باللواتي حصلن على 7 ساعات من النوم، أي ما يُعادل دماغاً أكبر بعامين.
الكآبة
توصلت دراسة صدرت عام 2018 في «Psychological Medicine» إلى أنّ المكتئبين يواجهون بدورهم أسوأ أداء للذاكرة والقدرة على تذكّر المعلومات. ويُرجّح أن يعود السبب إلى ارتفاع الكورتيزول المُصاحب للكآبة، وهي حالة مُرهِقة. إنّ الكآبة قد تكون الأمر الأكثر شيوعاً الذي يتداخل مع ضعف الإدراك. عندما تعجزون عن التفكير في أي شيء غير مُعاناة الكآبة، فذلك قد يؤثر في الذاكرة. ووفق «National Institute of Mental Health»، تشمل أعراض الكآبة الأخرى الشعور بالحزن والقلق معظم الأوقات، وانخفاض الطاقة أو الشعور بالتعب، والشعور باليأس أو العجز، وصعوبة النوم، وتغيّر الوزن أو الشهيّة، والتفكير في الموت أو الانتحار.
العدوى
يمكن أن يتجلّى التهاب السحايا، ومرض لايم، والتهاب المسالك البولية إلى حدّ ما في شكل ضباب في الدماغ ومشكلات الذاكرة. إذا كنتم تشكون أعراضاً أخرى للمرض، كالحمّى، أو الغثيان، أو التقيؤ، أو الحرقان، أو كثرة التبوّل، استشيروا طبيبكم فوراً.
قصور الغدّة الدرقية
إذا تباطأت وظيفة الغدّة الدرقية، فذلك يؤثر بدوره في أداء الدماغ. نظرت دراسة صغيرة نُشرت عام 2014 في «Thyroid» في التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة البالغين المصابين بقصور الغدّة الدرقية مقارنةً بالمجموعة المتحكّم فيها. وتبيّن أنّ هؤلاء المرضى لديهم حجم أقل من الحصين الأيمن، أي منطقة الدماغ المشاركة في التعلّم والذاكرة، والتي تكون مليئة بمستقبلات الغدّة الدرقية.
نقص المغذيات
إنّ أيّ نوع من نقص المغذيات، كالحديد أو الفيتامين B12، قد يسبب تشوّش الدماغ والنسيان. في الواقع، كشفت دراسة نُشرت عام 2020 في «Medicine» أنّ البالغين الأكبر سنّاً الذين يملكون مستويات كافية من الفيتامين B12 قاموا بأداءٍ أفضل في الذاكرة والاختبارات المعرفية الأخرى. فضلاً عن أنّ بحثاً سابقاً في «The American Journal of Clinical Nutrition» أظهرَ أنّ الشابات اللواتي يعانين نقصاً معتدلاً في الحديد سجّلن أسوأ معدلات في المهام المعرفية مقارنةً باللواتي لديهنّ مستويات كافية من هذا المعدن. غير أنّ تناول مكمّلات الحديد قد عزّز أداءهنّ الإدراكي. ولكن قبل الإسراع إلى شراء المكمّلات، لا بدّ من استشارة الطبيب لإجراء اختبار دم يرصد معدلات الـB12 أو الحديد في الدم.