في قراءة لاشتعال الجبهة السياسية في شكل غير مسبوق بين بعبدا وعين التينة، تقول مصادر معارضة لـ”المركزية” ان هذه الحرب عبثية هدفها شد العصب الطائفي وتعويم الجانبين في شارعيهما. اما مصلحة البلاد العليا، فغائبة عنها تماما، اذ ان هذه المواجهة ليس هدفها ابدا الوصول الى تشكيل حكومة إنقاذ تضع حدا لمعاناة الناس ومأساتهم المعيشية.
مبادرة الرئاسة الاولى الى فتح النار على كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومِن خلفه الرئيس المكلف سعد الحريري ودار الفتوى، أراد منها القول إن ثمة محاولة للافتئات على صلاحياته وللاعتداء على دوره في عملية تشكيل الحكومة، مصوّرا رئيس المجلس المعتدي على هذه الحقوق بعد ان كان يصوّب على الحريري منذ اشهر، بهذه الحجة.
كان يمكن لعين التينة ان تسكت عن هذا “الضيم”، الا انها قررت الرد أمس، فوجّهت بيانا ناريا نحو القصر، معتبرة ان ليس من حقّه الدستوري تسمية وزير واحد في الحكومة، فاتحة الباب امام حرب بيانات قوية بين الطرفين، انتهت فيها بعبدا الى تثبيت موقعها “كمُستهدفة” و”مستضعفة”.. بحسب المصادر، ما فعله بري قدّم خدمة ثمينة لفريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فقد عوّمه مسيحيا ولو في شكل محدود، وسيلتفّ حوله جزء لا بأس به من اللبنانيين الذين لا زال شعارُ “الاستضعاف” يغريهم.
بحسب المصادر، فإن التيار الوطني الحر قد يستثمر بشدة في عامل “العزل” هذا، خاصة في ظل ما يحكى عن تباعد سياسي بينه وبين حزب الله. فالاخير، في معركة “البرتقالي” وحركة امل، لا يستطيع ان يقف ضد بري، سيما وأن “الاستيذ” كان يعمل لوساطة بين المتخاصمين حكوميا، وقد مدّ يده وارسل مبعوثيه مرارا وتكرارا الى البياضة، للتوفيق وتذليل العقبات، فكان في كل مرة يقابل بسلبية من قِبل التيار. وعليه، لا يمكن للحزب ان يسكت عن هذا السلوك التعطيلي طويلا، في ظل الاوضاع المعيشية المتردية.
رغم هذه الاجواء المبلدة، تشير المصادر الى ان بري يتمسك بوساطته. في المقابل، بعبدا اعلنت انه فَقَد موقعه الوسطي وبات طرفا في النزاع. فهل ستبقى على رفضها التجاوب مع عين التينة، وما هو خيارها البديل؟ بحسب المصادر، ليس في جعبتها سوى البقاء في “الشغور” اذا لم يقرر الرئيس الحريري الاعتذار.. فهل هذا ما تريده؟
بحسب المصادر، بكركي وحزب الله سيحاولان في قابل الايام العمل على خط التهدئة، لكن مصير محاولاتهما ضبابي. واذا لم يفلحا في ترطيب المناخات، فإن الازمة ستستمر طويلا، وسيستمر الفراغ السياسي والمأساة الاقتصادية حتى نهاية العهد. وسيملأ هذا الفراغ خطاب طائفي وسجالات “عقيمة” استعدادا للانتخابات النيابية المقبلة (مبدئيا)، من قَبيل المطالبة بالحفاظ على الصلاحيات والحقوق ورفض المثالثة المقنّعة، علما ان التيار الوطني – دائما بحسب المصادر – هو الذي فتح الباب على اعادة البحث في الصلاحيات، من خلال تحريمه على الرئيس المكلف، تسمية وزراء في الحكومة واصراره على ان يكون للرئيس عون وفريقه حصة وازنة في الحكومة، من دون ان يمنح تكتّله الثقة لهذه الحكومة ! في المقابل، سيرد المستقبل والحركة والحزب على هذا الخطاب، بآخَر طائفي ايضا. ويبقى الرهان على الا ينطلي استنفار العصبيات هذا، على الناخبين في ايار المقبل، تختم المصادر.