جاء في “المركزية”:
لم يكن الوسيط الأميركي لعملية التفاوض غير المباشر في شأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان واسرائيل السفير جون دوروشيه مضطرا للعودة الى المنطقة واستئناف وساطته لو لم يلمس ايجابيات من الجانبين حفزتّه على ترك بلاده التي عينته اخيرا في منصب القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية في الدوحة الى حين تعيين سفير، ما يعني عمليا انه لن يكون في المرحلة المقبلة متفرغا لملف الترسيم او للتنقل بين لبنان واسرائيل، من دون معرفة ما اذا كانت واشنطن ستعين آنذاك وسيطا جديدا للمفاوضات ام تبقي على دوروشيه الذي يملك مفاتيح الملف ويتحرك بفاعلية على خطه.
الاهتمام الاميركي المستجد مع ادارة الرئيس جو بايدن نابع على الارجح من تراكم ايجابيات اعقب توقّف المفاوضات بعد الجولة السادسة التي عُقدت في 5 أيّار الفائت بفعل تمسّك الجانب اللبناني بالخط 29 مقابل رفض الإسرائيلي واصراره على “خط هوف” الذي أوصى بتقاسم المثلث المتنازع عليه (سابقاً) والمحدّد بالخطين 1 و23 بينه وبين لبنان، وهو ما اعطى تل ابيب ذريعة لبدء استخراج الغاز من “حقل كاريش” الذي يدخل نصفه ضمن الخط 29، فيما يبعد عن منطقة النزاع السابقة. هذه الايجابيات تلخصها مصادر مواكبة للملف لـ”المركزية” بالآتي:
-عدم توقيع الرئيس اللبناني ميشال عون على مشروع مرسوم تعديل المرسوم 6433 باعتباره يحتاج الى قرار الحكومة مجتمعة، ما ابقى الباب مفتوحا امام المفاوضات خلافا لواقع حال كان ليستجد لو تم توقيعه، وهي رسالة قرأها جيدا الاميركي وعمل بهديها وشكلت احد اسباب عودة دوروشيه الى بيروت مطلع الاسبوع وقد تبلّغ من الرئيس ميشال عون رغبة لبنان في استمرار المفاوضات بهدف الوصول الى تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية، على نحو يحفظ حقوق الأطراف المعنيين بالاستناد الى القوانين الدولية. وطلب من الوسيط الأميركي ان يمارس دوره للدفع نحو مفاوضات عادلة ونزيهة، ومن دون شروط مسبقة لان ذلك يضمن قيام مفاوضات حقيقية مستندة الى الحق الذي يسعى لبنان الى استرجاعه.
– التبدّل الاسرائيلي المتمثل باطاحة حكومة نتنياهو بفوز الائتلاف برئاسة رئيس الحكومة الجديد نفتالي بينيت، وما قد يرتّب من ترطيب في الموقف الاسرائيلي وقد تجلى اليوم بوضوح في أول موقف رسمي بعد تسلم وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار منصبها هذا الأسبوع، اذ أعلنت ان”على الرغم من القضية القانونية القوية لإسرائيل، نحن مستعدون للنظر في حلول إبداعية لإنهاء هذا الملف”. وقد جاء موقفها هذا في اعقاب اجتماعها ودوروشيه والتداول في ملف المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان حول حدودهما البحرية المتنازع عليها.
– التقدم الملحوظ على خط مفاوضات فيينا النووية والمفترض ان تواكبه او تلحق به مسارات التسويات في منطقة الشرق الاوسط التي يبدو شقت قمة الرئيسين الاميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين امس طريق الاتفاق في اتجاهها، وتسوية النزاع الحدودي بين لبنان واسرائيل، بما يعني لجهة اضعاف حزب الله واوراقه المستخدمة للإبقاء على سلاحه، جزء اساسي منها.
الموعد الجديد لاستئناف المفاوضات لم يتحدد بعد، بحسب المصادر، في انتظار انهاء الوسيط دوروشيه مهمته في اسرائيل بلقاء رئيس وزرائها الجديد الذي امّن النواب العرب في الكنيست بأصواتهم فوزه، لينقل اليه ما سمعه خلال لقاءاته في لبنان مع رئيس الجمهورية وقائد الجيش العماد جوزيف عون والوفد المفاوض ويستمع الى وجهة نظره ازاء الملف وتوقيت الاستئناف وتحت اية شروط، الا انه لن يكون بعيدا نسبة لحاجة الاطراف كافة الى بلوغ نقطة الاتفاق في وقت غير بعيد، والرغبة الاميركية في انجاز الكمّ الاكبر من التسويات في عهد بايدن.