كتب يوسف مرتضى في نداء الوطن:
استضافت العاصمة السويسرية “جنيف” في السادس عشر من الجاري أول اجتماع قمة بين قطبين لدودين شخصياً وفي العلاقة بين بلديهما، فلاديمير بوتين وجو بايدن. فتجاوزاً لكل الأعراف والبروتوكولات كان بايدن قد وصف بوتين بالقاتل.
بايدن يحمّل بوتين وروسيا مسؤولية فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية باختراق الاجهزة الروسية لحسابات الإدارة الانتخابية الأميركية لعام 2016. ولا يخفى على أحد مدى الصداقة الشخصية التي تجمع بين بوتين وترامب. وبعض العارفين يعزون ذلك لمصالح مادية بين الرجلين.
وللدلالة على قوة العلاقة بينهما، أروي في ما يلي ما رواه لي صديقي الديبلوماسي السابق والناشط الإعلامي الروسي فيتشسلاڤ ماتوزف أنه: “عشية إعلان نجاح ترامب بالرئاسة، وبتوجيه من المخابرات الروسية نظّم في موسكو احتفال جمع حوالى400 صحافي وصحافية روس وأجانب، وكلف صديقي هذا بإلقاء كلمة بالمناسبة، ومما قاله حسب روايته لي: إن انتصار ترامب في الرئاسة الأميركية في القرن الـ21 يماثل انتصار ثورة أكتوبر بالنسبة لروسيا في القرن الـ20”.
وفي لقاءات القمة التي جمعت بوتين مع ترامب لاحقاً برزت بوضوح حميمية هذه العلاقة بينهما، التي عظّمت من غيظ اخصام ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما منافسه لانتخابات عام 2021 الرئيس جو بايدن، وما ناله من إهانات وتحقير من قبل ترامب الذي كاد ان يخرج على تقاليد الديموقراطية الأميركية بعدم التسليم بنتائج الانتخابات.
المحللون الروس كانوا يرون أن ترامب قد بدل جوهرياً في استراتيجية أميركا من دولة عظمى طموحة إلى قيادة العالم إلى دولة عظمى شعارها: “أميركا أولاً”، الأمر الذي يتوافق مع مفهوم التعددية القطبية على قاعدة العصبية القومية التي تتبناها روسيا.
وجاء فوز الحزب الديموقراطي الذي حمل بايدن إلى سدة الرئاسة ليعيد الاعتبار لاستراتيجية الدولة العميقة في أميركا في قيادة العالم، أي العودة إلى نظام القطب الواحد، وهذا ما أكده بايدن بخطابه في احتفال تنصيبه قبل خمسة أشهر.
من هذه الخلفية ترى إدارة بايدن أن العائق الأساسي أمام ترجمة استراتيجيتها تلك هو في احتمال قيام تحالف صيني روسي. ولأن الصين هي المنافس الاقتصادي الأول لأميركا وبالتالي هي المستهدف الأول في خطتها لمنعها من الفوز في هذا السباق، تعمل إدارة بايدن على خطين:
1- إعادة الروح للحلف الأطلسي وتجنيد الاتحاد الأوروبي في خطتها، وهذا ما نجحت به وحققته فعلاً في اجتماع الـG7 الأخير في المملكة المتحدة.
2- مهادنة روسيا وإشغالها بعيداً عن الصين، وهذا هو هدف القمة بين بايدن وبوتين التي طلبها الجانب الأميركي ووافق عليها الجانب الروسي متجاوزاً تصريحات بايدن العدائية.
وحسب مصادر روسية مطلعة فإن جدول أعمال القمة ركّز على مسألتين، أولاً: العلاقات الثنائية بين البلدين، من تبادل السجناء، إلى مسألة الأمن في أوروبا، ويندرج تحت هذا العنوان، مسألة نشر الصواريخ من قبل الحلف الأطلسي على الحدود الروسية، إلى مسألة أوكرانيا والقرم وبيلاروسيا وقضية حقوق الإنسان من ضمنها قضية المعارض الروسي نافالني، وكذلك مسألة الحرب السيبرانية بين البلدين …الخ.
ثانياً: قضايا الشرق الأوسط وفي مقدّمها، التعاون في الملف النووي الإيراني. حيث تشير معلومات المصدر الروسي أن أميركا تتجه الى رفع بين 10 إلى 15% من العقوبات عن إيران مقابل عودتها إلى اتفاق “5+1”. على أن يتبع ذلك التفاوض حول الصواريخ الباليستية الإيرانية والدور الإقليمي لإيران وأذرعها في المنطقة، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
وفي هذا المجال يسعى الجانب الأميركي إلى موقف روسي متعاون.
وحسب المصدر عينه فإن المدخل إلى هذا البحث جاء من بوابة الأزمة السورية بجانبيها الإنساني والأمني – السياسي. ويتلخص ذلك بطلب أميركي من الروسي الضغط على النظام السوري لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وكذلك مسألة الوجود العسكري الإيراني والميليشيات التابعة له وأيضاً الدور التركي ومسألة الأكراد، وآفاق الحل السياسي للأزمة السورية.
وحسبما رشح عن كواليس اجتماع القمة، فإن الإدارة الأميركية تتجه إلى محاصرة الدور الإيراني عبر توسيع رقعة التفاوض العربي الإسرائيلي تحت سقف حل الدولتين، بين الإسرائيليين والفلسطينيين من جهة والسوريين والإسرائليين من جهة ثانية، واختبار مدى استعداد الجانب الروسي للتعاون معها في هذا المجال. مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية تدرك حجم الإستنزاف الذي يتكبده الروسي في سوريا الذي لا يقل عن مليار ونصف المليار دولار أميركي سنوياً. كما تدرك أن إعادة الإعمار في سوريا هي المدخل الأساسي لاحتواء الأزمة، وأن تمويل إعادة الإعمار لن يكون إلا خليجياً وغربياً، والجانب الروسي يدرك أن لا إمكانية لأي حل سياسي في سوريا بدون الاتفاق مع الجانب الأميركي.
الأميركي والروسي يعرفان نقاط قوة وضعف كل منهما، نتائج القمة ستظهر تباعاً في المقبل من الأيام. رفض الجانب الأميركي لعقد مؤتمر صحافي مشترك ليس مؤشراً على فشل القمة، إنما جاء ذلك خشية ظهور بايدن في موقف الضعيف الأداء مع بوتين. وعلى نجاح هذه القمة أو فشلها ستكون انعكاسات إيجابية أو سلبية على أحوالنا من إيران إلى سوريا ولبنان إلى “إسرائيل”. وقد يكون الملف اليمني أول خطوة لإثبات نوايا التعاون في الملفات الإقليمية. إن الخريف المقبل لناظره قريب.