كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
بشكل عام، عندما يتقدم الإنسان في العمر تتأثر حواسه، كما تتراجع مهاراته الذهنية. لذا، من الأساسي أن يقوم الشخص المسنّ بتمارين ذهنية تساعده لتقوية حواسه ومهاراته الذهنية. ولكن لا يصيب التأخر هذه القدرات فقط بل أيضاً قدراته الجسدية والعضلية. فعدم استقرار وضعيّة الجسد يؤدّي إلى إجبار المسنّ على إعادة النظر في شأن علاقته بالمكان والزمان، وبالتالي إلى تقليص مساحة العمل وتفادي الحركة. ويتأثر الشخص المسنّ نفسياً بعدم قدرته على القيام بكل نشاطاته السابقة إلّا بمساعدة من الآخر. فما هي التأثيرات النفسية التي يمكن أن يصادفها الشخص المسنّ خلال يومياته؟ وكيف يمكن مساعدته لتخطي هذه المشكلات؟
من أصعب الأمور التي يمكن أن تصادف الإنسان المسنّ في يومياته، هي الصعوبة في التنقلات وفي إنجاز مَهامٍ كان يقوم بها من قبل. لذا، نجد الكثير من المسنّين يواجهون خطر المشاعر السلبية بسبب الأفكار السوداوية التي تكون حاجزاً خطيراً لحياتهم. وللتكلم عن هذا الموضوع، قامت مكاتب «الجمهورية» بمقابلة مع الآنسة فيونا أبو عبدو، أخصائيّة في العلاج النفسي الحركي والعلاج بالموسيقى، ومستشارة بالمتابعة النّفس-جسديّة.
حالة المسن النفسية
تعتبر الآنسة فيونا أبو عبدو أنّه «من الناحية النفسية، يشعر الكثير من المسنّين الذين يعيشون بمفردهم، وبعد التوقف عن العمل، بأنّ قيمتهم الإجتماعية تنخفض، كما تنخفض مبادرتهم للقاء الآخرين وللقيام بأي نشاط جسدي. وأحياناً العكس، يبدأون بالاتّكال على أفراد العائلة في تلبية الحاجات اليوميّة، وتداهمهم الأحكام والتخوّف على وضعهم الصحّي، ما يجعل الشخص المسنّ أكثر خمولاً، غير مستقلّ وقليل المبادرات الجسديّة. أمّا في أيّامنا الحاضرة، فإنّ سبل الوقاية من وباء «كورونا» الذي استهدف خصّيصاً الشيخوخة، فرضت تحدياً أكبر للمسنّين، وخوفاً زائداً من التنقّل والتعرّض لِما تبقّى لهم من نبض في حياتهم»، ما أدخلهم في صراع من الإضطرابات النفسية، ناهيك عن الاكتئاب أو القلق المعمّم.
الحركة الجسدية والخوف عند المسن
تفسّر المعالجة النفس-جسدية الآنسة أبو عبدو بأنّ هناك أسباباً عديدة وراء الخوف من الحركة الجسدية عند المسن. «فخلال الشيخوخة، يخضع السلوك والشخصية والجسد لتغييرات كبيرة لأنّ على المسنّ أن يتكيّف باستمرار مع تراجع قدراته التدريجي. لذلك، نلاحظ أنّ سلوكياته تميل إلى التشدّد ورفض المساعدة أو الاقتراحات الجديدة. وفي محاولة للتعويض عن إحساسه بالضعف وعدم سيطرته على حياته وجسده، يمكن أن يضع نظاماً ثابتاً وصلباً في محيطه القريب ممّا سيضمن له الحدّ الأدنى من الأمان. ومن هنا نستكشف استراتيجيّات مبنيّة على التفادي وعزل النفس، أمّا أسبابها فهي: الخوف من متلازمة الإنزلاق، الهروب بالخمول من الأنشطة التي تتطلّب مجهوداً يدويّاً أو جسديّاً، عدم تشجيع المسنّ من أقربائه، التخوّف من تفاقم أوجاع جسديّة يعانيها ممّا يُخَيِّل له خطر المرض والعجز وفقدان قيمته والموت».
الإكتئاب والحركة الجسدية عند المسن
«إنّ الجانبين النفسي والجسدي مرتبطان دائماً. فقد أثبتت الدراسات أنّ الجذور الأولى للهويّة هي جسدية. منذ الطفولة، يختبر الطفل حساسيته والعاطفة ومهاراته الحركية من خلال التفاعلات المبكرة بجسده، وتخيّلاته، والعمليات الذهنيّة. فكل ذلك يشارك في بناء هوية الطفل مستنداً إلى أسس الحسية الجسديّة». وتضيف الآنسة فيونا أبو عبدو: «عندما تتلاشى كلّ هذه الاختبارات، يصبح المسنّ عرضة للتراجع نفسيّاً وجسديّاً كما تظهر تصرفات نكوصية: التعلّق بالآخر، عدم الاستقلاليّة، الخوف، الخطوات الحركيّة المتردّدة، التبوّل أحياناً….
تصور الجسد عند المسن
تعتبر الآنسة أبو عبدو أنّ «الإنسان منذ ولادته يتطوّر وينضج ويشيخ. في كل مرحلة من مراحل الحياة، يتغيّر جسده وتظهر علامات الزمن. وهنا تختلف رؤية المسنّ لأنّ الجسد مفهوم معقّد ويمكننا الاقتراب منه من زوايا مختلفة: الجسد الحقيقي، الجسد التخيّلي، الجسد الذي نحلم به، الجسد الوظيفي، الجسد الطبي… في الحركة النفسية، نعتبر الجسد قاعدة الهويّة. وتعكس نظرة المسنّ للجسد المتفكّك البالي والأقل كفاءة صورة سلبية عن نفسه. في بعض الأحيان، توجد فجوة كبيرة بين العمر الفعلي والعمر الذاتي للشخص. فقد يواجه صعوبات في التعرّف الى نفسه بهذا الجسد، وتقبّل نفسه، ودمج الصورة التي يراها على أنها صورته وصورة جسده. لذلك، إنّ التقدم في السنّ يجعل الشخص تدريجاً يعيش حداد صورة الجسد المثاليّة، وحياته النشطة والرّضى.
كيف يمكن مساعدة الشخص المسن للحركة خلال يومياته؟
تقول الآنسة أبو عبدو إنّ «كل شخص لديه خبرته الخاصة، واستراتيجيته لـ»التأقلم» المبنيّة على الدعم الاجتماعي، ويجدر أن يتضمن الأمر الحفاظ على استقلالية المسن، وتحفيزه للمستقبل القريب وإعادة استثمار مهاراته الحركية. هنا أهميّة العائلة والاختصاصيّين بشكل خاص في تعزيز إمكانات للمسنّ تعويضاً عن المهارات المتراجعة، بطريقة تتناسب مع تفضيلاته. والأهمّ تعزيز التعبير عن الذات والتعبير عن مشاعره وأحاسيسه، بغضّ النظر عن عمره أو حالته. ومن خلال تحفيز العاطفة والمعرفة والحركة، سنساعد كبار السن على الحفاظ على دافعيتهم للحياة، والحفاظ على قدراتهم، وإيجاد علاقة رفاهيّة مع الجسد بعيداً عن تجربة «الجسد الطبيّ المتألم».
وهناك بعض الملحوظات التي تعتبرها الآنسة فيونا أبو عبدو أساسية لكبار السنّ، وهي:
– تحفيز المسنّ على المشي والحركة ولو بخطوات صغيرة في المنزل أو الطبيعة، واتّباع روتين لمرافقته. فالمشي يساهم في الحفاظ على إمكانية العمل العصبي العضلي والدورة الدمويّة، والتهوئة والتنفّس، وإفراز الإندورفين المفيد ضد القلق والاكتئاب والتوتّر.
– القيام بحركات جسديّة لا تتطلّب مجهوداً، كالوقوف أو الجلوس، مستخدمين العصا كوسيط لتمديد العضلات (Stretching): رفع العصا وخفضها، نقلها من يد إلى يد، فتح الذّراع وغلقها، التّدويس على الأرض بالقدمين، دحرجة العصا ذهاباً وإياباً بالرّجلين.
– اللمس والضّغط على الجسم ليكون الجلوس ناشطاً عند المسنّين المقعدين للحفاظ على الإدراك الجسدي والعلاقة العاطفيّة: المسك من الكتفين للسيطرة على اتّجاه المسنّ وإحساسه بالأمان، التدليك والضغط على الجلدة والمفاصل، إستعمال طابة / ريشة لتمريرها على جسد المسنّ.
– إعداد لعبة رمي مع العائلة تجعل المسنّ ينسى الصعوبة ويتحَمّس: Bowling بمسافة مناسبة، كرة السلّة المنخفضة مع طابات أصغر، لعبة الهدف بالسهام.
– خلق حلقة عائليّة مع موسيقى وألبومات صوَر تُعيد المسن الى أيّامه الجميلة لتحفيزه على التعبير وتذكّر نفسه، وإيماء أحداث حصلت معه بجسده والتّمايل على الأنغام.
– تحفيز المسنّ على متابعة نشاطاته وتعزيز شخصه من دون وضع توقّعات عالية ومساعدته عند الحاجة (الطبخ، الخياطة، توضيب المونة، الزراعة…)