Site icon IMLebanon

متفجرات “مرميّة” بشوارع لبنان: رسائل سياسية ومؤشرات مقلقة؟

كتب نبيل الخوري في “المدن”: 

تلقّى الجمهور اللبناني، على مدى أكثر من شهرين، ستة أنباء عن عثور القوى الأمنية على متفجرات أو قنابل أو قذائف، ملقاة في أماكن وأوقات مختلفة. بين 12 نيسان و18 حزيران 2021، توالت هذه الأخبار التي ألفها اللبنانيون، حتى مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.

العودة إلى الأرشيف الإعلامي يظهر أن تواتر هذا “الحدث الأمني”، المحدود طبعاً، يتم وفق إيقاع سياسي أحياناً، من دون أن ينفي ذلك عامل الصدفة في بعض الحالات، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالتخلص من مخلفات الحرب. لكن تواتر هذا “الحدث الأمني” في الآونة الأخيرة، لا بد من أن يثير تساؤلات سياسية مشروعة.

تسلسل الأحداث

عودة سريعة (وعشوائية) إلى ما نشرته وسائل الإعلام مؤخراً، تظهر تسلسل الوقائع على النحو التالي: في 12 نيسان 2021، تم العثور على “قنبلة بلا صاعق في منطقة البداوي (طرابلس)”. في 26 أيار 2021، تم العثور على “قذيفة هاون من عيار 82 ملم في مرفأ صيدا الجديد”. وحسب المعلومات المعلنة، كانت هذه القذيفة “ضمن حمولة خردة حديد أتت من البقاع وتم تفريغها على رصيف المرفأ”. في 31 أيار 2021، أعلنت الأجهزة الأمنية عن العثور على “قنبلة يدوية حربية في شارع أبو سهل”، بمنطقة الطريق الجديدة، في العاصمة بيروت. ومن المفترض أنه تم “تفجيرها في مكانها نظراً لخطورة نقلها، كون حلقة الأمان منزوعة منها”، وفق المعلومات المتداولة. في 11 حزيران 2021، أعلنت الجيش اللبناني عن “العثور على أجسام مشبوهة داخل محل مهجور” بمنطقة برج حمود في المتن الشمالي. وحسب الجيش، فقد “تبين بعد الكشف عليها من قبل خبير المتفجرات أنها عبارة عن كمية من مادة (تي ن تي) و(الديناميت) وصواعق عادية وكهربائية وفتيل تفجير وهي قديمة العهد من مخلفات الحرب وغير صالحة للتفجير”. وفي 17 حزيران 2021، تم العثور على أكثر من “15 قذيفة B7 في مستوعب للنفايات”، مقابل محطة للمحروقات بمنطقة ساقية الجنزير في بيروت، قرب مقرّ رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في عين التينة. ويوم الجمعة 18 حزيران، كان العثور على قذائف صاروخية قديمة العهد في مستودع نفايات بمنطقة فردان في بيروت، قرب دار مقر الطائف الدرزية!

رسائل سياسية ضمنية؟

صحيح أن اكتشاف هذه الأدوات التفجيرية قبل حصول أي مكروه، يمثل بحد ذاته خطوة مطمئنة، بيد أن هذا “الاستباق” يجب ألا يحجب الرؤية عن الدلالات الكامنة، المحتملة، لعمليات رميها في الشوارع اللبنانية المختلفة. بمعنى آخر، لا يمكن الاكتفاء بـ”إنجاز” العثور عليها، ثم “النوم على حرير”. فما يجري يثير القلق، إلا إذا أظهرت التحقيقات القضائية والأمنية الرسمية أن الأمر يتعلق بأعمال فردية (؟). لكن العنف، أو مجرد التلويح باستخدام العنف، يُستَخدم كأداة “في خدمة العمل السياسي”، حسب قواميس علم الاجتماع السياسي. بهذا المنحى، فإن أي شكل من أشكال العنف يتم توظيفه من أجل تحقيق “أهداف سياسية” تسعى إليها المجموعات والقوى والأحزاب والمليشيات المتصارعة في بلد ما. والعنف يمكن أن يكون أيضاً “وسيلة للحفاظ على السلطة”. وعليه، لا بد من التساؤل عما إذا كانت عمليات رمي المتفجرات والقنابل والقذائف على امتداد الجغرافيا اللبنانية، من صيداً إلى طرابلس، مروراً ببيروت والمتن، ضمن فترة زمنية قصيرة نسبياً، تحمل رسائل سياسية ضمنية؟

نبيه برّي والفرضيات

تساؤل كهذا يُعتبر أكثر من مشروع، في بلد يشهد أزمة سياسية حادة بين قوى تتصارع على السلطة، بعضها لا يزال يحتفظ بمليشياته، وغالبيتها لديها تاريخ دموي في الحرب، وبارعة في استخدام السلاح من أجل بلوغ غايات سياسية. وكأن أحدهم يوجه رسالة تهديد لآخر، مستخدماً ما في جعبته من أنماط الرسائل الخفيفة أو ما يمتلكه من أدوات عسكرية متدنية الحدة، متدنية جداً أحياناً، لكنها ذات مفعول سياسي كبير. هل يتعامل رئيس البرلمان، نبيه برّي، مع حادثة العثور على “قذائف B7” مرمية في ساقية الجنزير، بوصفها حادثة عرضية؟ عفوية؟ أم أن “عقله الأمني” لا بد من أن يقوده إلى وضع عدة فرضيات، من بينها أن يكون المقصود توجيه رسالة سياسية ضمنية له، في هذا التوقيت الحرج؟ وماذا عن رسائل صيدا والطريق الجديدة وطرابلس وبرج حمود ثم بجوار دار الطائفة الدرزية؟ هل هي عرضية؟ وهل كلها غير مقصودة؟ أم أن بعضها يحمل أيضاً رسائل ضمنية؟ ومن المستهدِف (بكسر الدال)؟ ومن المستهدَف (بفتح الدال)؟

زعزعة الاستقرار واستنزاف الجيش

أسئلة أخرى أكثر خطورة يمكن طرحها أيضاً. بما أن “العمل العنفي”، ذات النمط المشابه نسبياً، تكرر ست مرات على الأقل في غضون شهرين تقريباً، فهل يمكن التعامل مع هذا التكرار بوصفه مؤشرات ضعيفة أم مؤشرات مرشحة لكي تصبح قوية، لجهة المصير الأمني للبلد؟ وإذا كانت كل تلك الأحداث الأمنية مقصودة، أي في حال تم رمي كل تلك الأدوات الحربية في أماكن مختلفة، عن سابق تصور وتصميم، ألا يشكل ذلك إنذاراً خطيراً مفاده أن هناك من هو قادر على زعزعة الاستقرار متى وكيفما شاء؟ ووضْعٌ كهذا إنْ تطور، أليس من شأنه أن يؤدي إلى استنزاف الجيش اللبناني المنهك أصلاً، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية؟

قد تكون خلفيات كل تلك التساؤلات مجرد تكهنات. لكن تواتر هذا “الحدث الأمني” يمكن أن يعبّر أيضاً عن اتجاه ما، جرى أو يجري رسمه للبنان. إلا إذا دُفِعُت الأثمان السياسية المطلوبة منذ الآن؟