كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في بلد ينقلب على دستوره ويحتار في تفسيره مرات ومرات، ويعيش على الاستثناء ويطغى على قوانينه العرف ويتجاوزها تلبية لمصالح زعمائه، بات انعقاد مجلس الوزراء خروجاً على الدستور يعاقب عليه رئيس الحكومة. وفيما تتفاقم الازمة وقد دخلنا رسمياً في جهنم، تسير الحكومة في تصريف أعمالها كأن الاوضاع طبيعية، ويخرج علينا بعض وزرائها بمواقف تظهرهم من عالم آخر.
أسبوعياً يعيش رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب على أمل ان الاسبوع التالي لا بد ان يشهد تشكيل الحكومة الجديدة. تسعة اشهر مرت على استقالة حكومته ودياب يعيش على امل التخلص من عبء رئاسة حكومة والانصراف للتحضير لمرحلة ما بعد رئاسة الحكومة. يكفيه فخراً دخوله نادي رؤساء الحكومات السابقين وهو على اي حال لم يقدم على ما يغضبهم او يخرج عن طوعهم.
تنقسم الآراء حول دياب، فرصة رئاسة الحكومة لم يعرف استثمارها، طوّقته حسابات الطائفة وسطوة السياسيين فلم يعرف ان ينتفض الا من خلال الاستقالة ولو دُفِع اليها مجبراً. استدعاؤه قضائياً سبّب له نقزة وتحوّل الى رئيس مكبّل حتى في حدود تصريفه للاعمال خشية المحاسبة لاحقاً على خرق الدستور.
رغم فداحة المأزق وعمقه والاوضاع المأسوية التي يتخبط فيها المواطن، يصرّ دياب على تصريف اعمال في نطاقه الضيّق. قالها مرة لمن حوله ان رئيسي مجلسي النواب والحكومة السابق سعد الحريري طلبا منه ذلك، “فاذا قالوا اشتغل بشتغل ولكن مطلوب يغطوني”.
وزراء تكررت مطالبتهم بعقد جلسة لتسيير ملفات عالقة وبتّها، وسفراء دول غربيون يطالبون رئيس الحكومة المستقيلة بالعمل وتسيير امور البلاد، فيكون جوابه دائماً بأن تصريف الاعمال يجب ان يجري في النطاق الضيق كي لا تتحمل حكومته وزر الملفات الكبرى والقرارات المصيرية، وفي سبيل استعجال تشكيل حكومة جديدة وانه حين يعطى صلاحيات اضافية يكون عمله اضافياً بالمقابل.
أشهر مرّت ورئيس الحكومة وحكومته على هذه الحال بينما هي مرجحة لان تستمر حتى نهاية العهد، لتتحول حكومة دياب الى حكومة اشراف على الانتخابات في ظل آفاق التشكيل المقفلة من كل النواحي.
غير ان واقع الوزراء يختلف عن رئيسهم، عدد لا بأس به يطالبه باستمرار بعقد جلسة وزارية للبت بجملة ملفات عالقة، غير انه يصر على ان الطارئ يمكن تمريره من خلال الموافقة الاستثنائية المخالفة للقانون بطبيعة الحال.
قبل نحو شهرين تقريباً ضاق عدد من الوزراء ذرعاً بواقعهم، وانتفضوا لكونهم خارج اجواء ما يحصل وليس لديهم علم بكثير من الامور التي تثار في الاعلام، وكأنهم آخر من يعلم بأمور حكومتهم. تشاور هؤلاء في ما بينهم واتفقوا على لقاء للبحث في الامور الطارئة وشؤون الناس العالقة. أُبلغ دياب بالامر ولم يمانع بداية ثم رفض لعلمه ان عدد الوزراء المشاركين يفوق العشرة. وتبلِّغ احدى الوزيرات زملاءها انها تلقت اتصالاً من دياب وهو يرفض عقد هذا الاجتماع، فاتفق على الاجتماع عبر تقنية زووم وبمن حضر.
وأُبلغ دياب، انك طالما لم توافق فقد ارتأى الوزراء عقد اللقاء وان الهدف الاستماع من الوزراء الى شرح عن المشاريع التي تنفذها وزاراتهم، والتعرف عن قرب من وزير الداخلية محمد فهمي على حقيقة الوضع الامني بعد كلامه الاخير، ومعرفة حقيقة وضع البطاقة للفقراء وواقع الكهرباء وغيرها، كي يكون الوزراء في الجو بدل ان يظهروا في الاعلام بعيدين عن الاجواء.
لم يعارض دياب وطلب من مبلّغيه وضعه لاحقاً في اجواء الاجتماع. وعندما حان الموعد المتفق عليه فاجأت وزيرة الشباب والرياضة فارتينيه اوهانيان الحضور بالقول ان مستشار رئيس الحكومة اتصل بها، مستغرباً عقد هذا الاجتماع الموجه ضد رئيس الحكومة.
فتدخلت وزيرة الدفاع قائلة انها سبق ووضعت رئيس الحكومة بالاجواء، فأجابت وزيرة العمل لميا يمين انها تحادثت مع دياب وانكر معرفته وقال اننا نعمل بالخفاء عنه.
عندها عاودت عكر الاتصال به تسأله عن حقيقة ما قال فكان جوابه: “نعم وضعتني بالجو لكن ليس لدرجة اجتماع عشرة وزراء”. تخوّف الرئيس ومستشاره من ان يُحدث الاجتماع، ولو عبر تقنية زووم، رد فعل سلبياً عند السنّة وفضّلوا الغاءه على ان يقال ان اجتماعاً وزارياً حصل بغياب رئيس الحكومة، بمشاركة عشرة وزراء حتى ولو كان الهدف تشاور الوزراء بشؤون وزاراتهم والملفات المشتركة في ما بينها.
ويتخوف دياب من فكرة عقد جلسة حكومية او لقاء وزاري موسع، ولشدة الخلافات بينه وبين الوزراء او خلاف الوزراء في ما بينهم يلتقي كل وزير على حدة متى استلزم الامر ذلك، ولكن هناك وزراء لا يجتمع بهم ولا يقابلهم منذ استقالة الحكومة. واذا لم يبادر الوزير ويتصل لمتابعة ملف معين فرئيس الوزراء لا يتصل بهم الا في حال وجود داعٍ لذلك.
في حكومة تصريف الاعمال وزراء نشيطون يتعبون على ملفاتهم وسجّلوا بصمات في وزاراتهم، وآخرون تستهويهم لعبة الاعلام وصنف ثالث لا يسمع به احد ولا يحضر الى وزارته الا للضرورة القصوى، على ان غالبية الوزراء يتحفظون على توقيع البريد المحال اليهم ولا يدخلون في بتّ ملفات مهمة، لاعتقادهم ان مرحلة تصريف الاعمال تقتضي منهم ذلك وخشية التورّط بتوقيع لا يتناسب ومصالح حزبه او حليفه السياسي.
بنسب متفاوتة يتابع الوزراء في حكومة تصريف الاعمال ملفاتهم، فوزير الاشغال ميشال نجار مثلاً لا يتّخذ اي قرار او يبتّ بأي ملف طالما هو وزير تصريف اعمال، والوزيرة لميا يمين تعتبر ان متابعة عملها بالشكل الواجب يعني المساعدة على عدم تشكيل حكومة جدية، الوزير ريمون غجر يعرف عنه مواظبته لكنه محبط نفسياً نتيجة الاوضاع الاقتصادية المأسوية، وزيرة العدل تتابع ملفاتها بجدّ ولو انها بلغت مرحلة من الامتعاض تجعلها في حالة تشاور دائمة مع زميلاتها المقربات والسؤال “شو العمل وشو لازم نعمل”. تعرف وزيرة المهجرين غادة شريم على انها وزيرة المواقف في الاعلام فيما وزارتها لم تتقدم ولم تنجز، وليس افضل حال منها وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية الذي افتتح موسم الانتخابات قبل موعدها بكثير توظيفاً ومحسوبيات. اما نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر الحريصة على متابعة ادق التفاصيل في وزاراتها، فكلما طال زمن التأليف تراكمت مهماتها وزادت وهي التي تشكل صلة وصل بين رئيس الحكومة والاطراف السياسية، لعلها الوحيدة التي تطوف بين كل السياسيين وزعماء الطوائف من دون قيد، فيما المتعارف على راوول نعمة برجوازيته وحساسيته الزائدة من الشيوعية وله طريقته في العمل والتي لا تقنع الكثيرين. عشرون وزيراً غالبيتهم لم يصدقوا فرصة توزيرهم وبعضهم كان الافضل لو لم يدخل جنة الحكومة التي حرقت اوراقه.
بالنتيجة فان القرار رهن رئيس الحكومة المستقيلة الذي ارتضى لنفسه ان يبقى اسير الطبقة السياسية حتى في حدود تصريف الاعمال، وهو يعتبر، وفق مقربين منه، انه لم ينقطع عن تسيير امور الدولة عبر المراسيم والقرارات التي يوقعها مع رئيس الجمهورية والوزراء المعنيين، مذكراً انه منذ استقالة حكومته ولغاية اليوم وقع ما يقارب 1200 قرار ومرسوم، اهمها تحويل الموازنة العامة الى المجلس النيابي والبطاقة التمويلية.
لا ينكر المقربون ان رئيس حكومة تصريف الاعمال لم يعد يمون على وزراء حكومته ولا يستمعون لرأيه ولا يستجيبون دعوته الى اجتماع ولو ثنائي، ولذا فقد يكون المقصود تجنب اظهار هشاشة العلاقة بينه وبين الوزارء والدعوة الى اجتماع وزاري أياً كان حجمه.
النقطة الثانية التي تطوق دياب خوفه من ارتكاب اية مخالفة يعاقب عليها ولو سياسياً وهو لا يزال ممتعضاً من تجربة استدعائه على خلفية انفجار المرفأ، وكيف حوسب على الجريمة سياسياً ودفعت حكومته الى الاستقالة. أما النقطة الثالثة فترتبط بالاعتبارات السنية التي يوليها دياب اهتمامه، وهو الذي بات على تواصل مفتوح مع الرئيس المكلف سعد الحريري ويقف على مشورته.