Site icon IMLebanon

“الحزب” بين نار الحليفين

كتبت رلى موفق في “اللواء”: 

التهبت على خط بعبدا – عين التينة نيران معركة الانتخابات الرئاسية التي هي جوهر الاشتباك السياسي الحاصل وخلفيته، وإن استظل الطرفان لخوضها عنوان «الصلاحيات الدستورية» المرتبطة بتأليف الحكومة. كان الاشتباك حتى الأمس القريب بين رئيس الجمهورية وتياره وبين الرئيس المكلف وتياره يبلسُ لبوساً مارونياً – سنياً . لكن دخول رئيس مجلس النواب إلى المشهد من بوابة دور السلطة التشريعية في التكليف نقل المواجهة إلى مستوى آخر أكثر خطورة لحظة تمظهرها مواجهة مارونية – شيعية، خصوصاً مع وجود مناطق متداخلة قابلة للاشتعال واستعادة بدايات الحرب الأهلية وخطوط التماس بين الشياح – عين الرمانة الفاصلة بين الضاحيتين الجنوبية والشمالية لبيروت، وهي سبق أن شهدت احتكاكات سابقة على خلفية توترات بين بري وجبران باسيل «الوريث السياسي» لعون، والحليف لـ«حزب الله»، الشريك لبري في «الثنائية الشيعية».

علاقة معقدة بين عون – باسيل وبين بري يُديرها «حزب الله» بكثير من الحنكة، لزوم حاجته إلى حليف مسيحي وفَّر له مظلة وشرعية كان يحتاجها في تمدده داخل الحدود وخارجها، ولزوم حاجته إلى إبقاء «البيت الشيعي» متماسكاً في قرار استراتيجي كبير كان قائماً ولا يزال، مهما مرّت العلاقة بين «الحزب» وحركة «أمل» في صعود وهبوط.

أقل ما يُقال إن فتح المعركة أحرج «حزب الله» في الشكل والمضمون والتوقيت. كان «الحزب» مرتاحاً على تموضع «الثنائي الشيعي» في الوسط، وعلى لعب دور «الوسيط» بين الطرفين المسيحي والسني المتناكفين على دورهما وحجمهما وصلاحياتهما في الجمهورية، التي لا يُعيرها أهمية إلا بمقدار ما تخدم مشروعه الاستراتيجي. عبّأ تكليف الحريري فراغاً إيجابياً بحيث أبعد هذا التكليف السنّة عن التوتر والتصعيد، لكن الغليان كان يصيب الحليف المسيحي الذي قَبِل على مضض قرار تكليف الحريري، وما كان قادراً على تكرار «سيناريو دياب».

في قراءة منظرين قريبين من «الحزب» أنه لا يستسيغ هذا النوع من المعارك التي تُفرض عليه وتُخسّره هوامشه المريحة في التعاطي السياسي مع الأفرقاء من حلفاء وخصوم. وثمة انزعاج لديه من الحليفين، وإن كانت نسبة الانزعاج ليست متساوية حيال بري وعون – باسيل. منذ الاجتماع الأخير بين المعاونين السياسيين لنصر الله وبري مع رئيس «التيار الوطني الحر»، خرج «حزب الله» متوجساً من حدة التباين بين علي حسن خليل وباسيل، لكنه لم يتوقع هذا التداعي في العلاقة. فوجئ بما يصفه «مبالغة الحليفين في الذهاب إلى لغة الاشتباك العالية».

ينظر «حزب الله» على أنه منتصر في معيار اللعبة الخارجية، وأن دوره سيكون محفوظاً داخلياً في المرحلة المقبلة بفعل الانتصار الآتي لـ«محور إيران» الذي يُشكّل جزءاً منه. وبالتالي، هو ليس في عجلة من أمره في المرحلة الانتقالية التي تشهدها المنطقة برمتها، ومن ضمنها لبنان، لتسييل أرباحه و«تقريش» دوره في المعادلة الداخلية. في الأساس، ما زالت دقائق المشهد غير واضحة، وما ظهرت مسارات الاستحقاقات المقبلة، لجهة أيهما سيتحدد أولاً، الانتخابات النيابية أم الانتخابات الرئاسية، وهل ستحصل الانتخابات في مواعيدها أم لا؟ ولا تبلورت تفاصيل الصورة الكبرى، ولا جاءت كلمة السر الإقليمية التي ستنتج عن الاتفاق الأميركي – الإيراني.

فتحُ الاستحقاق الرئاسي قبل أوانه، وعلى مسافة سنة وأربعة أشهر من موعده، يشي بأن كلاً من حلفاء «الحزب» يخوض معركته السياسية على ساعته بما يخدم مصالحه. وكأن الطرفين يريدان منه أن يخرجَ من منطقته الرمادية وأن يُحدّد خياراته، من منطلق الحاجة إلى تغيير معالم الواقع الذي يتحكم بإدارة المرحلة الراهنة. الحليفان اللدودان يريدان الدفع في اتجاه رسم شكل جديد من قواعد اللعبة، فذهبا إلى عدم مراعاة «الحزب» في الهوامش التي يحتفظ بها إلى حين تدق الساعة.

ثمة تقييم في مجالس «حزب الله» أن الحملة التي تُخاض من قبل «التيار الوطني الحر» ومواقعه الإعلامية ومنصاته تستهدفه في العمق أكثر مما تستهدف بري أو حتى الحريري من أجل تحديد موقفه، فيما يعتبر أنه من المبكر تحديد المآلات النهائية للاستحقاقات الداخلية. يُدرك المتابعون في فلك «الحزب» أن عون وفريقه يريد الذهاب إلى لعبة شد العصب الطائفي. ويذهب البعض إلى اعتبار أن المشهد المثالي الذي يرغب التيار في استعادته هو مشهد 2005، في مقابل استعادة الطرف الآخر لمشهد التحالف الرباعي الذي خيضت الانتخابات آنذاك على أساسه، والذي يستطيع عون من خلاله استنهاض الشارع المسيحي في «معركة مواجهة الإقصاء».

سعى عون إلى نزع صفة «الوسيط» عن بري في مبادرته، بعدما خرج الأخير عن طوره في الردّ على رئيس الجمهورية، رغم أن رئيس المجلس تسلّح بالدستور في ردّه، لكنه في سياق الكباش الحاد، سيجدُ «الحزب» نفسه أمام تحدي كبح جماح الانزلاق السياسي لصف الحلفاء، وإعادة إدارة العلاقة بينهما، ولا سيما أن تداعيات الانهيار الاقتصادي – المالي أصبحت في طريقها لتكون خارج السيطرة مع عدم قدرة سياسة المسكّنات الموضعية على احتواء الأوضاع المتدهورة، في وقت يصعب معه الرهان على إمكانات تعويم حكومة حسان دياب لتقطيع مرحلة الانتظار القاتل.