Site icon IMLebanon

جنبلاط… زمن المواجهة ولّى

كتبت راكيل عتيق في “الجمهورية”: 

بمقدار ما حفل عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بسجالات واتهامات ونزاعات مع «الحزب التقدمي الاشتراكي»، كادت تهدّد السلم الأهلي والعيش المشترك في الجبل في صيف عام 2019، يتمسّك رئيس الحزب وليد جنبلاط، الآن، بالتسوية حكومياً مع عون. وفي وقتٍ تأزّم مسار تأليف الحكومة مجدّداً، بعد حرب البيانات بين الرئاستين الأولى والثانية، واعتبار عون أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يعد وسيطاً على الخط الحكومي، ما زال جنبلاط يقف في الوسط بين عون والحريري، معتبراً أنّ على الطرفين التنازل والتوافق على تسوية، وإلّا «الخراب». فلا الاستقالة من مجلس النواب ولا الانتخابات النيابية المبكرة ولا تشكيل جبهة معارضة، يُشكّل أيٌّ منها حلاً للأزمة الراهنة في لبنان، بالنسبة الى «الزعيم الدرزي».

يستمرّ جنبلاط الذي يقرأ بعُمق الأوضاع الدولية والإقليمية والتبدّلات في المنطقة، والتي لبنان جزء لا يتجزأ منها، في الدعوة الى التسوية، من دون استثناء أي طرف، لا عون ولا الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري. واعتبر في «تغريدة» أمس، أنّه «لا يُمكن بعض المسؤولين الاستمرار في هذه الحال الانتظارية وحال البلد تتراجع يومياً في غياب الحكومة». ورأى أنّ «الأوان حان لجعل التسوية فوق كلّ اعتبار بعيداً من الحسابات الشخصية الضيّقة»، مشيراً الى أنّ «مبدأ التسوية ليس بدعة بل أساس في الحياة وفي السياسة». وتوجّه الى المعنيين، وقال: «تذكّروا أنّ الحقد يقتل صاحبه أولاً».

بالتوازي مع دعوة عون وفريقه من جهة والحريري من جهة ثانية، الى إجراء تسوية، يهادن «الاشتراكي» الفريقين إعلامياً ولا يدخل في سجال سياسي مع أيٍّ منهما، تماشياً مع «مرحلة التسوية». ويعتبر أنّ رفع السقوف من الاتجاهات كلّها، وضرب المبادرات وفتح ملفات الصلاحيات والتلطّي وراء صلاحيات الطوائف والمذاهب، عوامل أوصلت البلد الى الانهيار الكامل. لذلك إنّ جنبلاط متمسّك الآن أكثر من قبل بالتسوية، ويناشد المعنيين إجراءها، لأنّ عدم الشروع في هذه التسوية سيزيد من ألم الناس وأوجاعهم، وسيصعّب هذه المهمة في المستقبل.

لا خيار آخر عدا التسوية بالنسبة الى «الاشتراكي» ضمن الحفاظ على لبنان الكيان والصيغة، وإلّا الخيارات الأخرى، هي إغراق البلد كلياً وإلغاء هذا الكيان والشروع الى نظام تأسيسي كان بعض الأفرقاء دعا إليه سابقاً، وهذا «ضمنه مخاطر كبيرة جداً». أمّا الحلّ العملي، بالنسبة الى «الاشتراكي»، فهو أن يتمكّن الوسطاء المعنيون والأفرقاء القادرون، الضغط على فريق عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وأن يمارسوا هذا الدور وبنحوٍ أقوى، إضافةً الى حضّ جميع المعنيين بالتأليف، على الإسراع في تأليف حكومة مهمّة وإنقاذ. فبالنسبة الى «الاشتراكي» لا جدوى من «وزير بالزايد أو آخر بالناقص»، ولا قيمة للكلام عن الصلاحيات، فيما أنّ الحكومة المرتقبة هي حكومة مهمّة لنحو 6 أشهر لتوقف الانهيار. ويرى أنّ «المعنيين حمّلوا هذه الحكومة كلّ ما في من مصالح وطموحات وأهواء».

يسعى جنبلاط الى تهدئة الأجواء بين عون والحريري، ويعتبر «الاشتراكي» أنّ لعبة تحسين الشروط، إن في التسوية، أو بعدد النواب في الانتخابات المقبلة، لا قيمة لها، إذا ازداد البلد إفقاراً وهاجر الناس، وبدأ التفلّت الأمني بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ويرى أنّ الأفرقاء المعنيين بتأليف الحكومة يلعبون على حافة الهاوية، فيما أنّ هذه الهاوية هي الناس، فـ»رؤساءعلى أي بلد وشعب سيكونون، ووزراء لأي اقتصاد؟».

لذلك يصرّ جنبلاط على التسوية، فإذا لم تُجرَ سيتجّه البلد الى الخراب الكلّي. ما عدا ذلك من نيات لتغيير الصيغة والنظام السياسي، ومن نظريات تطفو على السطح الآن، من مثالثة وفدرالية، ليست هي الحلّ أيضاً، بالنسبة الى «الاشتراكي»، وذلك لأنّ «الخطير في الوضع هو أنّ لبنان فقد وظيفته، ووظيفته الأساسية كانت أنّه مصرف الشرق ووردته ومستشفاه وجامعته، ومعقل الحريات، وفقدنا كلّ ذلك بسبب أداء الموجودين في السلطة».

يأتي تمسُّك جنبلاط أيضاً بالتسوية الداخلية، انطلاقاً من أن لا جدوى من انتظار المجتمع الدولي، الذي «يتحمّل مسؤولية بدوره تجاه لبنان لأنّه تركه في عزلة. وعندما منع التغيير في سوريا، ترك محوراً عريضاً قائماً في المنطقة. كذلك، إنّ المجتمع الدولي والغربي تحديداً أولويته حماية أمن اسرائيل على حساب جميع الشعوب المحيطة بها، لذلك علينا إنجاز تسوية داخلية، ثم مخاطبة المجتمع الدولي من موقع هذه التسوية، فإذا بقينا مفرّقين ومبعثرين لن يأخذنا المجتمع الدولي في الإعتبار».

«الإشتراكي» يرى أنّ بري حاول أن يقف على الحياد بين عون والحريري، وأنّ نصرالله دعم مبادرته، لكن عون اعتبر أنّ بري متعاطف مع الحريري أكثر، لكن «هذا غير صحيح»، علماً أنّ مبادرة رئيس مجلس النواب هي المبادرة التي اقترحها جنبلاط على رئيس الجمهورية، أي حكومة من 24 وزيراً بلا ثلث معطّل لأي طرف، لكن ما يحول دون إنجاز التسوية من خلال هذه الحكومة، هو أنّ «هناك فريقاً في القصر الجمهوري لا يريد الحريري رئيساً للحكومة، كذلك الحريري لا يريد أن يقدّم تنازلات لحسابات أخرى متشعِّبة».

وفيما تواصل جنبلاط مع بري بعد «حرب البيانات» بين الرئاستين الأولى والثانية، وزاره، الأربعاء الماضي، لا طرح جديداً لديه غير حكومة الـ24. وإذ يسأل «الاشتراكي»: «هل يُعقل أن لا إمكانية أو طريقة لإيجاد وزيرين مسيحيين، من الأقليات، أحدهما كاثوليكي والآخر أورثوذكسي، لا يكونان مرتبطَين بأحد؟»، يعتبر أنّ «نظريات الفريقين المعنيين بالتأليف هي للتعطيل والعرقلة واضحة، فلا نية حقيقية لتأليف حكومة. وذلك لأنّ أي تأليف في هذا الظرف يتطلّب تنازلات متبادلة، فيما لا نشهد أي تنازلات من أي طرف، بل على العكس، نرى أنّ كلّ المحاولات تصطدم بعراقيل ووراء الأكمة ما وراءها، إذ إنّهم يحمّلون هذه الحكومة مستقبل رئاسة الجمهورية وهوية الرئيس الجديد والتحالفات الانتخابية المقبلة، وهذا يعني أن لا تأليف للحكومة».

هذا التأزّم الداخلي حاصل مع بدء النزاع على النفط والغاز في البحر المتوسط الذي يشترك فيه الجميع، فيما الدول كلّها تتطلّع الى مصالحها. ولذلك يجب على اللبنانيين أيضاً، وفق «الاشتراكي»، أن ينظروا الى مصالحهم، وأن لا يتركوا البلد ساحةً لنزاع الآخرين.