جاء في “الأنباء” الكويتية:
من الصعب أن يقنع “حزب الله” حلفاءه وخصومه على حد سواء أنه غير قادر على الدفع في اتجاه تشكيل الحكومة وممارسة ضغوط على الرئيس المكلف سعد الحريري والنائب جبران باسيل لو كان يريد فعلا رؤية حكومة جديدة. فلو كان يريد لفعل، ولكنه لا يفعل لحسابات خاصة إقليمية مرتبطة بما ستؤول إليه المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين، وانتظار الاتفاق الجديد الذي سيعطي إيران هامشا أوسع في المنطقة، وإذا قال حزب الله وأكد أن أزمة الحكومة داخلية صرف لا يجد من يصغي إليه ويصدقه.
ومن الصعب أن يقنع “حزب الله” أحداً أنه غير قادر على ضبط الخلاف المتفجر بين حليفيه الرئيس العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأنه لو كان يريد فعلا لاستطاع وضع حد لهذا التدهور السياسي المريع الذي بلغ «قمة السلطة والحكم»، ويهدد بتفاقم التوترات السياسية والطائفية وانتقالها الى الشارع. ولكن الحزب لا يفعل لحسابات خاصة داخلية، الأولوية فيها لإدارة «التوازنات ـ التناقضات» واستمرار الإمساك بخيوط اللعبة.
في الواقع، ليس حزب الله ممسكاً بكل مفاصل وأوراق اللعبة بشكل محكم ويستطيع فرض ما يريد أو له مصلحة في التدخل وممارسة ضغوط لمصلحة طرف ضد آخر. وفائض القوة الأمنية والعسكرية الذي يملكه الحزب لا يؤهله لفرض قواعد اللعبة السياسية التي يريدها وتناسبه. فمن جهة تأكد أن الحزب تنقصه الخبرة السياسية، خبرة الغوص في التفاصيل والتجول في الزواريب، وهو في اللعبة الداخلية ليس متفوقا مثلما هو عليه الحال في المقاومة العسكرية. ومن جهة ثانية، تأكد أن الحزب مقيد بتوازنات دقيقة وآليات دستورية و«سقوف» خارجية تضعه في موقف محرج في العديد من المحطات والاستحقاقات.
هذا ما حصل في موضوع الحكومة، وحيث ظل على امتداد ثمانية أشهر قابعا في دائرة الانتظار والمراوحة، يوازن بين عون والحريري ويمتنع عن ممارسة ضغوط على أي منهما، وبالتالي فإن موقفه هذا لا يرضي الاثنين. فالرئيس المكلف بات مشككا بموقف حزب الله الذي لا يضع باسيل عند حده ويحمله مسؤولية أساسية في التعطيل الحكومي. ورئيس الجمهورية لا يتقبل واقع أن الحزب متمسك بالحريري ولا يرى عنه بديلا. وهذا ما يحصل الآن في موضوع الخلاف بين بري وعون، وحيث يحرص على عدم التحول طرفا في هذا الخلاف الذي يدور بين حليفين أساسيين له، ويتهيب التدخل والشروع في عملية مصالحة غير مضمونة. وهذا الموقف لا يرضي الطرفين، وحيث كل طرف يريد من الحزب أن يتدخل ويضغط لمصلحته، وأن يوجه للطرف الآخر صفعة أو صدمة.
وبات واضحاً أن موقف “حزب الله” مما يجري في المثلث الرئاسي محكوم بالحسابات التالية:
٭ الرئيس سعد الحريري هو أفضل رئيس حكومة في هذه المرحلة بحكم واقعه الداخلي (افتقاده الى حلفاء فعليين) والخارجي، مما يجعله على استعداد للتعاون مع «الثنائي الشيعي» الى أقصى حد، ومهادنا للحزب في أدق المسائل. إضافة الى أن العلاقة الجيدة مع الزعيم السني في لبنان تساعد في درء مخاطر الفتنة السنية ـ الشيعية في السياسة كما في الشارع.
٭ الرئيس نبيه بري مهم جدا في حسابات البيت الداخلي والحفاظ على استقرار الطائفة الشيعية وتماسكها. وإذا لم يعد قادرا على فرض ما يريد، فإنه مازال قادراً على رفض ما لا يريد. وليس أمام الحزب إلا استمالته ومداراته لكل هذه الأسباب والقبول باستمراره في رئاسة المجلس النيابي مدى الحياة.
٭ الرئيس ميشال عون حليف سياسي واستراتيجي للحزب، ومن موقعه المزدوج كرئيس للجمهورية وكزعيم مسيحي. ومادام عون في قصر بعبدا فإن الحزب لا يفرط بالعلاقة معه، وتظل العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر على هذه الحال من التأرجح، تترنح ولا تسقط.
“حزب الله” في وضع إقليمي “جيد” والتطورات منذ مطلع هذا العام تصب في مصلحة إيران، ولكنه في وضع داخلي «محرج» ولا يحسد عليه. من جهة تحاصره أزمة شاملة وضاغطة لا يملك لها حلولا، ومن جهة ثانية تحاصره علاقات متوترة بين حلفائه وتكاد تخرج عن السيطرة، وستزداد توترا وتزداد معالجتها صعوبة كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، وآنذاك تدق ساعة الخيارات الصعبة والحاسمة.