كلمة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الأحد 20 حزيران 2021 تلخص كل أزمات العونية السياسية في لبنان منذ انطلاقتها مع قائد الجيش العماد ميشال عون في العام 1984 وحتى اليوم، والتي عرفت أبشع تجلياتها بين العامين 1988- 1990 ومن ثم اعتباراً من 7 أيار 2005 لتشهد انطلاقة مسيرتها الأخيرة بدءًا من 31 تشرين الأول 2016 مع وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.
لم يكن يوماً الخلاف مع العماد ميشال عون، ومن ثم الرئيس عون، حول الكثير من الشعارات المحقة التي رفعها، إنما لطالما كانت المشكلة في كارثية وعقم المعارك التي خاضها لمحاولة تحقيق شعاراته، هذا إذا افترضنا حسن النية في الشعارات. واليوم يسير الرئيس الثاني لـ”التيار” النائب جبران باسيل على خطى عمّه بامتياز وبتفوّق، رغم أن ثمة جانباً لا يقلّ خطورة ويتمثل في السعي المباشر لتنفيذ عكس الشعارات المرفوعة من الـ1988 وحتى الـ2021!
في السياسة بالأمس أصرّ جبران باسيل على أن يكون موجوداً إلى أي طاولة حوار ويريد لها البحث في الحكومة والنظام، وهو نفسه أوكل إلى السيد حسن نصرالله أن يقرّر عن “التيار” في ما يخصّ الحكومة وقال له: “أنا جبران باسيل، ومن دون أن احمّلك أي عبء، أقبل بما تقبل به أنت لنفسك. هذا آخر كلام لي بالحكومة”. وبهذا الكلام يقصي باسيل نفسه عن أي مفاوضات ويقبل مسبقاً بما يقبل به نصرالله ويقرره عنه!
في ملف مجلس النواب الذي يشارك فيه شخصياً من العام 2018، وكـ”تيار” برئاسة عمّه منذ العام 2005، هاجم باسيل اليوم صلاحيات الرئيس نبيه بري وطالب بتعديل النظام الداخلي للمجلس فقط بسبب خلافه مع برّي حول مسار تشكيل الحكومة، فأطاح باسيل بمطلب محق في بازار الصراع على الحصص ليس أكثر.
وفي مجلس النواب أيضاً والتشريعات المطلوبة انتقد باسيل عدم إقرار مجلس النواب لقانون الكابيتال كونترول منذ 17 تشرين 2019، وهو مطلب محق، وتناسى باسيل أن رئيس لجنة المال والموازنة هو أمين سرّ تكتّله النيابي النائب ابراهيم كنعان والذي أفرج عن القانون الموعود قبل 3 أسابيع فقط… فمن الذي عرقل إقرار القانون حتى اليوم؟ والأهم لماذا لم يجب باسيل حتى اليوم عن كلام رئيس “حركة الاستقلال” النائب المستقيل ميشال معوض الذي أكد أنه حين سعى لإقرار قانون للكابيتال كونترول بعد 17 تشرين كانت كل الكتل النيابية، بما فيها تكتل باسيل، إما رافضة وإما غير مكترثة؟!
باسيل أكد أن الانتخابات النيابية لن تغيّر في التوازنات القائمة، وفي ذلك “لعب على الكلام” والحقيقة. فالحقيقة هي أن الانتخابات قادرة على تغيير التوازنات والأكثرية في مجلس النواب لكن أي أكثرية ستكون حتماً عاجزة عن الحكم في ظل سطوة سلاح “حزب الله”، تماماً كما حصل بين العامين 2005 و2018. ومن هذا المنطلق يصبح محقاً باسيل بأن الانتخابات لن تغيّر في واقع تحكّم الحزب بسبب سلاحه وليس لأن الشعب اللبناني لن يحاسب ويغيّر واقع حقيقة التمثيل الشعبي.
أما البند الأخطر في كلام باسيل فيبقى في طرح ضرورة تعديل النظام الذي أثبت عقمه وفشله. وفي هذا السياق فإن مطلب النقاش الهادئ والموزون للنظام اللبناني لتعديله وربما تغييره في اتجاه نظام يسمح بإدارة أفضل للتعددية هو مطلب محق وجريء ونؤيده من دون تردد إنما بشرطين: الأول هو ألا يكون هذا المطلب للاستعمال “غبّ الطلب” عندما يريد أحدهم ممارسة الابتزاز السياسي بل أن يقترن المطلب بممارسة فعلية ونقاش موزون للوصول إلى الهدف المنشود. والشرط الثاني أن يجري هذا النقاش بعيداً عن تهويل السلاح وليس تحت سطوته لتكون النتيجة علمية وعادلة وليس انعكاساً لاختلال توازن القوى.
في اختصار، بين أحقية الشعارات وخوض المعارك المناسبة لتحقيقها، وبين التلطي خلف شعارات براقة لممارسة الدجل السياسي والشعبوية فرق كبير… ومصير الوطن يصبح على المحك!