أكثر من نصف اللبنانيين سيكونون “تحت خط الفقر بنهاية العام” وفق تقديرات البنك الدولي، والبلاد مقبلة على “انهيار شامل” والمساعدات الخارجية “لن تتدفق من دون حكومة تعمل مع صندوق النقد الدولي وتنفذ الإصلاحات وتعالج الفساد”، حسبما شدد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، في ختام جولة لبنانية انتهت إلى تكريس الانطباع الدولي التشاؤمي حيال مستقبل لبنان، ربطاً بالخلاصة التي توصل إليها بوريل إثر معاينته بالملموس “التشاحن الداخلي الحاصل من أجل توزيع السلطة”، مقابل تلويحه الخجول بإمكانية فرض عقوبات أوروبية على المسؤولين المعرقلين والفاسدين في لبنان في حال استمرار الفراغ الحكومي… كل ذلك لا يهمّ في قصر بعبدا، فلا ضير إذا ما لاحظ المسؤول الأوروبي أنّ الجمهورية اللبنانية باتت كالسفينة التي تسير “من دون قبطان”، الأهمّ يبقى أن تتلقف الرئاسة الأولى إحداثيات قبطان “البياضة” والسير على هدى بوصلته السياسية… ومن بعده الطوفان.
وأمس أطل “أكثر الرجال بغضاً في لبنان”، وفق تصنيف صحيفة “ذا تايم” الأميركية، رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على اللبنانيين والعالم بإحداثياته الجديدة ليفرض خريطة طريق “إيرانية” للحل الحكومي، وينسف سائر المبادرات الخارجية والداخلية لتأليف الحكومة عبر تجيير ملف “تحصيل حقوق المسيحيين” للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله شخصياً، باعتبار أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري “مش نزيه” كوسيط، وبقية القيادات و”المرجعيات الروحية” المسيحية غير مؤتمنة على هذه الحقوق لأنها “اعتادت على السكوت والخضوع”، في إشارة واضحة من باسيل إلى تصنيفه البطريرك الماروني بشارة الراعي في خانة القوى المتخاذلة عن الدفاع عن حقوق المسيحيين.
عملياً، أطاح رئيس “التيار الوطني الحر” في إطلالته المتلفزة أمس بمبادرة بري الحكومية واستعاض عنها بمحاولة “دق إسفين” بين نصرالله ورئيس المجلس النيابي “من خلال التلطي خلف عباءة الأول في سبيل استهداف الثاني”، بحسب تعبير مصادر سياسية رأت أنّ باسيل بكلامه هذا “أكد المؤكد وعقّد المعقد”، معتبرةً أنه “ذهب بعيداً في عملية قلب الطاولة على تشكيلة الـ24 وزيراً تحت شعار أنّ صيغة الـ888 تختزن “مثالثة مقنّعة”، وصولاً إلى إعادة الأمور إلى مربعها الأول عبر المطالبة بأن تشمل المداورة حقيبة المالية، وبإقرار مهلة دستورية لا تتجاوز الشهر للرئيس المكلف للتأليف ورئيس الجمهورية للدعوة إلى استشارات التكليف”.
وفي خلاصة طرحه لمخارج الحلول للأزمة الحكومية القائمة، بدا واضحاً أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” يدفع باتجاه توجيه الرئاسة الأولى الدعوة إلى عقد طاولة حوار تعيد تعويمه بعد إقصائه عن طاولة مجلس الوزراء، قائلاً: “طبعاً بدّنا نكون إلى الطاولة ومش بإذن من حدا”، راسماً جدول أعمال الحوار العوني بدءاً “من حل مشكلة الحكومة” وصولاً إلى “الاتفاق على النظام السياسي وعلى الخيارات الكبرى بما يخصّ تموضع لبنان”.
وفي سياق سعيه لإثارة مشكل مسيحي – مسيحي يعوّل عليه لإعادة شد عصب جمهوره المنفضّ من حوله، تهجّم باسيل على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بكليشيهات مستنسخة من مفهوم “نبش قبور” الحرب الأهلية والتخوين والاتهام بالعمالة، وتوجه إليه بالقول: “بتخفي جريمتك بسكوتك، ملتهي بتعمير القلعة فوق التلة من الخوات ومن Fundraising والمال السياسي وبيع الكرامة والحقوق”. وعلى الأثر، ردت الدائرة الإعلامية في “القوات” على باسيل فذكرته في بيان بأنّ “القوات اللبنانية دفعت دماً للحفاظ على حقوق المسيحيين وحافظت عليها فعلاً في المنطقة الوحيدة التي بقيت حرة في لبنان، إلى ان جاء العماد ميشال عون ودمّر هذه المنطقة الحرة بحروب من داخلها وخارجها، واستجرّ تكتلاً دولياً شاملاً ضده مما أدى إلى اتفاق الطائف ودخول الجيش السوري إلى المناطق الحرة”.
ولفت البيان إلى أنّ كلام باسيل عن تفويض نصرالله تحصيل حقوق المسيحيين أكد أنه “يمتهن الاستقواء بالسلاح من أجل ان ينتزع المواقع والمراكز في مقايضة مكشوفة: نغطي سلاحك، تغطي دورنا وفسادنا ومصالحنا وصفقاتنا”، وأضاف: “أكبر استباحة لحقوق المسيحيين تكمن في جعلهم في ذمة سلاح غير شرعي وإيصالهم إلى الذل الذي يعيشونه، بسبب سياسة المصلحة والسمسرة والفساد”. غير أنّ “القوات” لم تستغرب في بيانها “متاجرة باسيل بالكذب والتضليل لأنه من هذه المدرسة التي راكمت شعبيتها بالتزوير والفبركة”، مشيرةً إلى أنّ ممارسته التي “أوصلت الدولة إلى الفشل واللبنانيين إلى الذلّ والفقر والوطن إلى الكارثة، تستدعي العودة إلى الماضي لتغطية فشله الحاضر”، وتوجه بيان “القوات” إلى باسيل بالقول: “كل نغمة الخوات ممجوجة وتضليلية وشعبوية ساقطة في وقت يعرف كل العالم سرقاتك المباشرة من الدولة، والعقوبات الدولية عليك جاءت بسبب فسادك وسرقتك لمال الناس والدولة، وما أدل على ذلك سوى صفقات الفيول وعقود الصيانة والبنزين والمازوت والسدود والبواخر، وآلاف التوظيفات الزبائنية التي ساهمت بانزلاق لبنان إلى قعر القعر”.