كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:
إنه زمن الحمير بلا منازع، لا لصفاتها المجازية التي لا ينكرها عاقل في لبنان بل لكونها صارت جزءاً من واقع اللبناني التعيس. زمن الحمير يحتل الأحاديث والشاشات والكل يتهيأ لإعادة الاعتبار الى الحمار الذي أنكرنا فضله طويلاً لشدة ما عانينا من أشباهه، ودعوته الى أخذ موقعه الطبيعي في يومياتنا الآتية التي ترتسم لها صورة حجرية بائسة. ولحسن حظنا في عز أزمة البنزين وزمن البحث عن حكومة أن الحمير مستعدة لتكون وسيلة النقل الحضري التي تغنينا عن الطاقة والمحروقات وتوابعهما…
على مواقع التواصل الاجتماعي تحتل صور الحمار الشاشات وتملأ أخباره التوقعات لما ينتظر لبنان في الأيام القادمة. هو الأوتوكار الذي يحمل الطلاب الى مدارسهم في 2022 وهو سيارة العروس التي تزفها هذا الصيف. هو الحل للصراع على مشكلة التمديد للمعاينة الميكانيكية والمهرب المنتظر أمام وزارة الأشغال ومتعهديها من ضرورة شراء الزفت وإصلاح جور الطرقات وخنادقها. وهو فشة الخلق لشرطي السير الذي بات قادراً بكل راحة ضمير ان يصرخ ” قرّب يا حماااار” وللمواطن الذي وجد في الحيوان الأليف من يقارع بعض السياسيين عناداً و”تنحرة” في وسط الطريق…
لكن بعيداً من السخرية والتهكّم، للحمار دور لا يمكن إنكاره: اقتصادي وصحي وسياحي وزراعي بحيث يمكن لوزارات كثيرة أن تتنازع الصلاحيات حوله. وللإطلاع على المزيد من فوائد الحمير كان لا بد لنا بداية أن نسأل هل من سوق معترف به للحمير في لبنان ام تباع في السوق الموازية كالدولار؟ وتبين لنا ان مزارع الحمير في لبنان نادرة جداً وبيعها يتم بطرق غير رسمية ولا سيما في الجرود ومناطق الأطراف مثل الهرمل ووادي خالد وغيرها حيث يقوم بعض “المعّازين” ببيعها إما لقاء مبالغ مالية او بمبادلتها بالأغنام والماعز، كما يقوم بعض أصحاب المزارع بتربية بضعة رؤوس من الحمير مع مواشيهم ليستفيدوا منها اثناء رعي المواشي او للتحميل واحياناً لبيعها لمزارعين آخرين او لبعض من يطلبون شراء حمار لأسباب مختلفة.
مزرعة للحمير فقط
وأثناء بحثنا تعرفنا الى مزرعة فريدة من نوعها في لبنان لإنتاج حليب الحمير في منطقة عكار العتيقة ، ومن صاحب المزرعة الشاب يحيى جنيد المغرم بالحيوانات منذ الصغر تعرفنا الى مميزات حليب الحمير وفوائده الصحية الكثيرة وعدنا بمعلومات قيمة عن فئة الحمير.
فوائد حليب الحمير كثيرة ولا سيما بالنسبة للأمراض التنفسية كالشاهوق والربو والتهاب الشعب الهوائية فهو الوحيد القادر على شفاء حالات الشاهوق الحادة عند الأطفال، كما له فوائد جمالية معروفة، فالحليب الذي لطالما سمعنا أن كليوبترا كانت “تستحم” به للحفاظ على جمال بشرتها هو في الواقع حليب حمير. ويؤكد جنيد أننا لو اردنا الاستفاضة بشرح كل فوائده لما استطعنا ذلك بصفحة او اثنتين…لكن رغم كل هذه الفوائد لا يزال الطلب عليه غير كبير كما هو متوقع وكأن الناس لا تزال في خلفية عقولها تربط حليب الحمير بـ “الحمرنة” وصفاتها السيئة. ولكن من يدري مع انقطاع حليب الأطفال اليوم وغلاء كل اصنافه إن كنا سنتجه مجبرين الى حليب الحمير؟
الطلب على الحمير كثيف هذه الأيام يخبرنا جنيد ومعظم الطلبات للرعيان والمزارع ولتحميل الحطب ونقل الأغراض وقلة من تطلب حمارة او ” اتان” للحليب. سعر الحمار اختلف هذه الأيام، ورغم كونه لا يقتني الحمير بهدف بيعها، إلا أن صاحب المزرعة يقدّر ان يكون السعر بين 200 و300 دولار وما فوق وذلك وفقاً لنضافة الحمار، فكل “حمارة” لها سعر بالنسبة إليه، وقد كلفته إحداهن 500$ بينما ثانية لم يتجاوز سعرها المئتين!!!
لا شك ان سعر الحمار المخصص للعمل والتحميل أرخص بكثير من سعر الحمارة “الحلّابة” خصوصاً إذا باتت جاهزة لإعطاء الحليب وتآلفت مع الأمر بحيث باتت عملية استخراج حليبها بسهولة استخراجه من البقرة أي ” بلا عناد ولا تلبيط”. وحمار الشغل يمكن ان يتراوح سعره بين خمسة وعشرة ملايين ليرة.
يحتاج الحمار او أنثاه الى سنتين “ليتكبس” وينتقل من وضعية “جحش” صغير أو “كر” الى حمار قادر على العمل والبعض قد يكبّسون الحمار بعمر السنة او السنة ونصف. أما ذا كنتم تتساءلون ما تعنيه كلمة “تكبيس” فهي بحسب لغة مربّي الحمير تعني تعويد الحمار شيئاً فشيئاً على وضع “الجلال” وحمل أحمال بسيطة يزداد ثقلها مع الوقت وتعويده على مفردات يفهمها تقتصر بحسب جنيد على تعابير” شو، هش ودور…” ومتى تمّ “تكبيسه” بعمر صغير لا يأخذ الحمار حجمه الطبيعي اما إذا ترك على حريته فينمو ويكبر بشكل أفضل.
بشرى للبنانيين
تربية الحمار ليست صعبة فهو يحتاج الى مرعى مفتوح يتيح له الحركة او مزرعة بعيدة عن البيت لإبعاد الرائحة المزعجة مع الحرص على تنظيف مكان نومه وتواجده باستمرار لانه كسائر الحيوانات “يوسّخ” كثيراً.
و لمن يفكر بشراء حمار فليطمئن الى أن شروط تربيته ليست تعجيزية ولا تتطلب ترخيصاً ومن يسكن في بيروت او غيرها من المدن يمكن أن يضعه في كاراج السيارة بدلاً منها مثلاً او في باركينغ او فسحة قرب البيت شرط مراعاة شروط النظافة. وصحياً الحمار شديد التحمل وقلّما يمرض ربما لأنه يرضع من حليب امه القوة والعناد والتطنيش، فلا يحتاج الى عناية طبية تذكر بل أقل كثير من الأبقار حتى.
أما بالنسبة للأكل فيحتاج الحمار شهرياً الى 200 كيلو من التبن تقريباً مع خلطة من العلف تزن ما بين 250 الى 300 كيلو وتحوي مزيجاً من الشعير والذرة والصويا وبذر القطن والنخالة. غذاء مكلف بلا شك لمن يريد تدليل حماره او جعل الأتان تدر المزيد من الحليب أم من يريد استغلال الحمار و” المكاراة على ظهره” فيمكن ان يكتفي بـ”سطَلوة” من التبن وحوالى 2 كيلو من الشعير مرتين او ثلاث مرات يومياً ولا لزوم للخلطات المغذية علماً ان كيلو التبن كان بـ 3500 ليرة وكيس الشعير الكبير بـ 300000…ارقام تدفع بمن يريد اقتناء حمار الى التفكير مرتين قبل شرائه إذ مع ارتفاع سعر الأعلاف و تهريبها الى الخارج قد تصبح بندرة البنزين فيعود صاحب الحمار الى نقطة الصفر التي منها انطلق…
تصريح وزير الطاقة الآخير جعل اصحاب مزارع الحمير يفكرون جدياً بالتخلي عن وظيفتها الأساسية في استخراج الحليب واستعمالها على عربات تاكسي لنقل الركاب او لخدمة الديليفري… ومن رأى مشهد ذاك المواطن يصل الى محطة البنزين على ظهر حماره ادرك جيداً ان الفكرة لم تعد بعيدة وربما قريبا سيصبح بإمكان لبنان منافسة جارته قبرص بأعداد الحمير وإضافة مأثرة جديدة الى مآثره هي التحول الى طاقة الحمير النظيفة.
المقطوع نسله
ويبقى السؤال: هل ينقصنا ان تتكاثر الحمير في لبنان بعد؟ ام من الأفضل الانتقال الى خيار آخر مقطوع النسل هو خيار البغل الذي وإن كان نتيجة تزاوج ذكر الحمار وأنثى الحصان غير قادر على التوريث ولا يمكن ان تكون له ذرية تستمر من بعده. وإضافة الى هذه الخاصية يعتبر البغل حيواناً شديد التحمل قادراً على إنجاز مهام في ظروف قاسية جداً لا يقدر عليها اي حيوان آخر، أفلا يجعل من هذا الحيوان المثالي في بلد المهمات المستحيلة أفضل من زميله «الكديش» الهجين غير معروف الأصل والفصل ؟
ختاماً إذا كان سعر البغل 25 مليون ليرة وحمار التحميل 10 ملايين فيما الحمار الصغير 7 ملايين نترك لكم ان تتخيلوا كم تبلغ ثروة لبنان.