كتبت يارا سعد في “الاخبار”:
«المتحمّسون للهجرة من مختلف الأعمار»، هذا ما جاء في دراسة للأستاذ في قسم علم النفس في الجامعة اللبنانية، توفيق عبدالله سلوم، على عينة من 40 شخصاً (26 إناثاً و14 ذكوراً) راوحت أعمارهم بين 18 و50 عاماً، إذ أظهرت أنّ «مَن هم دون 25 عاماً يحاولون الهرب من المعاناة قبل أن تطاولهم عند بدء تحملهم المسؤولية مع نهاية الدراسة، ومن هم فوق 30 عاماً ينشدون الخلاص من المعاناة التي رافقتهم في السنين الأخيرة، والمعاناة هنا تشمل العجز الاقتصادي، والنقص في الرفاهية، والشعور بالخوف، وانعدام الأمان».
دراسة سلوم نشرتها، أخيراً، كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، إلكترونياً، في كتاب «الهجرة والمكان: إشكاليات وتحديات»، إلى جانب أوراق بحثية لأساتذة وطلاب في الجامعات اللبنانية، إضافة إلى مشارَكتَين من الجزائر والمغرب. الأوراق تطرّقت إلى «الهجرة» من مداخل عدّة، مثل الأدب والتاريخ والجغرافيا والقانون وعلم النفس وغيرها، فيما تناول بعضها الظاهرة من باب اتصالها بالظرف اللبناني المستجدّ، في محاولة لفهم العلاقة الحالية بين اللبناني والهجرة.
الأستاذ في قسم الجغرافيا في الجامعة اللبنانية، بلال علي الحاج سليمان، أشار في ورقته البحثية، إلى أنه «بين كانون الثاني وتشرين الثاني عام 2019، غادر لبنان 61 ألفاً و924 لبنانياً، مقارنة بـ 41 ألفاً و766 لبنانياً خلال المدة عينها من عام 2018، أي بزيادة 42% بحسب رئيس مركز الدولية للمعلومات في لبنان». وقال إن «عدد اللبنانيين المولودين في لبنان والذين يتمتعون بالكفاءات، ويعملون في بعض الدول الأجنبية، يُقدّر بأكثر من 400 ألف لبناني».
واقع هجرة الكفاءات العلمية من لبنان، لا يختلف كثيراً عن باقي الهجرات، إنما يختلف بنتائجه، وفق أستاذة الإحصاء الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، ملاك علي بزي. «المنحى السلبي الذي لا يعوّض يكمن في مجالات التنمية، إذ نلاحظ تأخراً أو فشلاً في الخطط التنموية، ليدخل عامل الهجرة كمتغيّر أساسي، لأن الموارد البشرية وخصوصاً العلمية منها، مفقودة». وتشير أرقام النقابات التي عرضتها بزي في دراستها، إلى تراجع أعداد المنتسبين مقارنةً بازدياد أعداد متخرّجي الجامعات اللبنانية، وانحسار أعداد منتسبي متخرّجي جامعات أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، لينعدم في السنوات الأخيرة. «ما يشير إلى أن هذه الدول الصناعية هي المستقطبة بشكل رئيسي للكفاءات اللبنانية من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وغيرهم. وأشارت الجمعية الإسلامية، وهي إحدى الجهات المانحة، إلى أن نسبة المهندسين المهاجرين تخطّت 38% من مجمل المتخرّجين».
وبحسب دراسة سلوم، لم تتبين فروق جوهرية بين الجنسين في دافع الهجرة، وهو أمر لحظته دراسة بزّي أيضاً، إذ إن الهجرة لم تعد محصورة بالذكور، بل إنَّ الإناث بتنَ يرغبن في الهجرة لتأمين ظروف معيشية أفضل. وهذا، برأي سلوم، «يدل على مجموعة من الأمور أهمها: أن المرأة اللبنانية في لبنان أصبحت معنية وبقوة في تحمّل المسؤولية الاقتصادية، ما يفتح الباب للبحث في تشريع قوانين خاصة تساعدها على تحمّل المسؤوليات الثلاث: الاهتمام بالمنزل، تربية الأولاد والمسؤولية المالية».