لم يَعُد كشف «الصندوق الأسود» للأزمة الأعتى التي تضرب لبنان والتي «تقبض على أنفاسه» منذ نحو عام ونصف العام، يقدّم أو يؤخّر في مسار الفوضى الشاملة، المالية والسياسية والدستورية، التي تتقاذف «بلاد الأرز» فوق «الصفيح الساخن» الاجتماعي، بما يُنْذِر بدخولها مرحلة تَفَكُّكٍ مع اقتراب مقايضات الضم والفرز في المنطقة.
فـ «هديرُ» الانهيار المتسارع في مختلف القطاعات الحيوية والذي بات بعض الخارج يقابله بأفكار أقرب إلى جراحة «القلب المفتوح» لتوفير «شريان مالي» يقي لبنان «الموت»، صار أقوى من كل التوصيفات لمرتكزات الأزمة.
ومن فوق المَغازي غير العادية لتَقاطُع أكثر من طرف عند «الاحتماء» بـ«حزب الله» في «المعارك الداخلية»، وكان آخِرهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي فوّض السيد حسن نصرالله «تحصيل حقوق المسيحيين» في ملف تشكيل الحكومة، ومن فوق التراشق الذي ولّده، يبدو «لبنان التحت»، أي لبنان الأرض والناس، يتحسّس «نار جهنّم» التي تلفحه في يومياتٍ يمضي نصفها في طوابير البنزين، ونصفها الآخَر يحصي تقلُّبَ الأسعار، بحسب بورصة دولار السوق الموازية (ناهز أمس 15300 ليرة) وآخِر فصولِ أزمة الدواء والاستشفاء، وبينهما يتلقى المزيد من «الصدمات» على شكل «عجايب غرايب» وتصريحاتٍ مُخيفة من داخل وخارج.
ففيما كانت نقطة المصنع (البقاع) الحدودية (مع سورية) تشهد إغلاق مهرّبي بنزين الطريق «احتجاجاً» على منْع الجمارك اللبنانية عبور سياراتٍ من التي يتم ملء خزاناتها بالوقود والانتقال بها لبيعه في سورية، توالت التحذيرات من عصْفٍ جديد للأزمة الأخطبوطية المرشّحة لجولاتٍ إضافية في ضوء «تَبَخُّر» الآمال باستيلاد الحكومة في المدى القريب بعد «الطعنات» المتوالية التي سُددت للمبادرة الفرنسية وبعدها مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري وصولاً إلى سحب باسيل صفة «الوسيط النزيه» عنه في معرض رميه «مفاتيح» حلّ عقدة «حقوق المسيحيين» – كتعبير عن وزْنهم ودورهم في النظام – في جيْب نصرالله.
وفي هذا الإطار برزت 3 مواقف:
• الأول من البنك الدولي الذي دق ناقوس الخطر حيال واقع التعليم في لبنان، مشيراً إلى «أن انخفاض مستويات التعلّم وعدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل يعرّض مستقبل الأجيال الصاعدة في لبنان للخطر، وهو ما يكشف عن الحاجة الملحّة لزيادة الاستثمارات في القطاع وتحسين توجيهها».
• تأكيد الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل، أنّ «لبنان على حافة الانهيار المالي ولا يمكننا الانتظار لإنقاذه»، معلناً أنّ «لبنان يحتاج لقيادة لعبور الأزمة ونحضّهم على تشكيل الحكومة».
وجاء كلام بوريل، الذي قدّم أمس تقريراً لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حول خلاصات زيارته لبيروت أخيراً، غداة تأكيده قبل مغادرة لبنان «أن جوهر الأزمة الحكومية ينبع من تناحر الزعماء على السلطة».
• إعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «رايحين ع أيام سودا اقتصادياً… الكلام الفرنسي واضح وهم يقولون لنا لا يمكن أن نساعدكم ما لم تساعدوا أنفسكم، وما حدا فاضي اليوم للبنان»، داعياً إلى تسوية حول الحكومة.
وخرقتْ مواقف جنبلاط «هدوء ما بعد العاصفة» التي أحدثتْها مواقف باسيل، من الملف الحكومي، في حين بدا صمت «حزب الله»، الذي تلقى «الكرة» في سياق درْس متأنٍّ للخطوة التالية، أقلّه بما يبرّد جبهة رئيس الجمهورية ميشال عون – بري وربما يُتيح معاودة تعويم مبادرة رئيس البرلمان ولو لتقطيع الوقت من دون خسارة شريكه في «الثنائية الشيعية» التي يرسم الحزب خطاً أحمر حول التفريط بها، ولا إغضاب فريق عون لِما يشكّله من «ظهْر» له.
وإذ يسود مناخٌ بأن الأيام المقبلة قد تنضبط تحت سقف مناوشاتٍ تشكل صدى للانفجار الكبير، اكتفى عون أمس، بتأكيد أنه رغم كل ما يجري «فإنه لم ييأس من وصول المبادرات إلى حل مع وجود العقلاء، شرط عدم المساس بالدستور وبالصلاحيات التي ناطها إلى السلطات الدستورية وعلى رأسها مقام رئاسة الجمهورية».
وفي موازاة كلام عون، الذي وجه برقية تهنئة للرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، متمنياً له التوفيق، ومؤكداً على «علاقات الصداقة التي تجمع بين لبنان والجمهورية الإسلامية»، علّقت مصادر بري على كلام باسيل قائلة «مَن كان الكلام لا يكفيه لعلّ الصمت يشفيه».