استعان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل أسابيع بـ«صديق» للتوسط في موضوع الحكومة والدفع باتجاه إيجاد حل لتشكيلها. والصديق هو الرئيس نبيه بري الذي يثق به نصرالله ويعوّل على مواهبه وقدراته السياسية.
أمس، استعان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بصديق للمساعدة في موضوع الحكومة، والصديق هو السيد حسن نصرالله الذي يثق به باسيل ويؤمّنه على «الحقوق».
وحصل ذلك في ختام مؤتمر صحافي أسهب خلاله باسيل في شرح التفاصيل وتفنيد العقبات التي حالت دون ولادة الحكومة. وجاء مؤتمره حافلا بالإشارات السياسية التي رمت مادة جدلية حول الدستور والصلاحيات ومستقبل النظام السياسي، والتي أعلنت انتهاء مبادرة بري وقطعت الطريق عليها.
ولكن الأهم والأبرز كان الاستعانة بالسيد نصرالله كـ«صديق» وليس كحليف، ومخاطبته بلغة سياسية وجدانية، وبطريقة أخذت شكل «نداء واستغاثة» أو «طلب التدخل» وقيادة مسعى جديدا لتأليف الحكومة.
وقال باسيل إنه يسعى «خلف حكم وأمين على الموضوع»، و«شخص يثق به ويأتمنه» ويعرف «أننا مستهدفون، ونعلم أنه لا يخذل الحق»، ملتزما (أي باسيل) وبوكالته عمن يتسلم أمرهم «أن يقبل بما يقبل به السيد لنفسه»، و«هذا آخر كلام لي في موضوع الحكومة».
في الظاهر، يعكس هذا الكلام إيجابية مفرطة من قبل باسيل تجاه حزب الله وقائده، فأن يسلمه أمره ويلتزم بالموافقة على ما يقرره ويرتأيه في موضوع الحكومة ويعهد إليه بقيادة عملية الحكومة وإدارة مفاوضات التأليف، فإن ذلك يعني من جهة باسيل ثقة مطلقة بحزب الله وارتماء كاملا في أحضانه، واستعدادا للمضي قدما في تثبيت وترسيخ التحالف معه. ولكن في العمق، هذا «الاحتكام واللجوء» من باسيل الى نصرالله وبهذه الطريقة، ينطوي على وجه آخر مزدوج ويعني أمرين أساسيين:
– الأمر الأول: أن باسيل تيقّن من وصول عملية تشكيل الحكومة الى طريق مسدود، ومن أن مبادرة بري المدعومة من حزب الله انتهت الى محاصرته وحشره في الزاوية الصعبة، بعدما استقرت كرة التأليف في مرماه وبادر الرئيس بري عبر أوساطه الى تحميل مسؤولية الفشل، والى تعداد النقاط التي تذرّع بها باسيل ونسفت المبادرة (عقدة الوزيرين المسيحيين ومن يُسمّيهما مسألة الثقة وعدم التزام باسيل مسبقا بمنحها وإنما ربطها بتركيبة الحكومة والبيان الوزاري).
ومع سقوط مبادرة بري وانكشاف الوضع ووضع الجميع أوراقهم على الطاولة، تقترب الأزمة من مرحلة الانهيار الكامل والانفجار الكبير، لتصبح الأمور ومبادرات الحل والخروج من الأزمة خارج السيطرة.
– الأمر الثاني والأهم أن «مبادرة باسيل» تحرج حزب الله أكثر مما تريحه، وتثير قلقه أكثر مما تطمئنه.
ويكفي أن يضع باسيل كرة الحكومة، أي كرة الأزمة وكرة النار، في أحضان الحزب وعلى مسؤوليته لكي يشعره بالإحراج والتململ للأسباب التالية:
٭ نعي مبادرة بري التي حظيت منذ البداية بدعم حزب الله، وليس هناك من بديل عنها في حساباته طالما أن بري متمسك بها ويؤكد على استمرارها، وأي تجاوز يقدم عليه الحزب في هذا المجال يضعه أمام خطر الاحتكاك بالرئيس بري وتعريض العلاقة المستقرة معه، وبالتالي انتقال جزء من المشكلة الى داخل الطائفة الشيعية.
٭ الضغط على حزب الله للانتقال من موقع الحياد والتفرّج الى موقف التدخل وفي اتجاه مغاير لذلك الذي سلكه بري.
وبالتالي وضع الحزب أمام مشروع مواجهة مع الرئيس المكلف سعد الحريري، لتصبح المشكلة في جزء منها مواجهة سنيّة – شيعية بعدما كانت لفترة تسعة أشهر تقريبا مواجهة مارونية – سنيّة، في حين أن حزب الله يريد الحريري رئيسا للحكومة ولا يريد ممارسة ضغوط عليه ودفعه الى الاعتذار.
٭ يتجاوز باسيل في موقفه موضوع الدستور الى طرح إشكاليات سياسية ودستورية على درجة من الدقة والحساسية، والى ربط موضوع الحكومة بها، وحتى أنه طرح مسألة تعديل الدستور فيما خص المهل المتعلقة بالتكليف والتشكيل، ويذهب الى أبعد من ذلك في معركته مع بري، داعيا الى ضرورة تعديل مهل تتعلق بعمل المجلس النيابي ورئاسته، ويقدم مطالعته الداعية الى اللامركزية الموسعة في مواجهة المثالثة، والى مكافحة الفساد والاستراتيجية الدفاعية، ويصل الى التصويب على الثنائي الشيعي الذي يحاول إرساء أعراف جديدة من خلال تثبيت وزارة المال للطائفة الشيعية.
إزاء كل ذلك، فإن تعاطي حزب اله وتفاعله مع «نداء باسيل» سيكون على قدر من «التريث والحذر»، وسيخضع كلامه ومقترحاته للدرس والتدقيق واستشراف النتائج والتبعات.
وما يمكن توقعه هو أن الحزب سيمتنع عن التعليق على «مبادرة باسيل» عبر الإعلام، وسيبقي البحث مع حليفه في الغرف المغلقة، وسيكون مقدّرا للثقة وطلب المساعدة، ولكنه سيظل متمترسا خلف مبادرة بري وسيتحرك تحت سقف هذه المبادرة باتجاه ترسيخ الهدنة الإعلامية ووقف حرب البيانات الرئاسية، والتقريب بين بري وعون أولا، ولاحقا، وعبر بري، التقريب بين باسيل والحريري إذا كان بعد ثمة إمكانية لتشكيل حكومة برئاسة الحريري في عهد عون.
وإلا فإن البديل هو الاستمرار في إدارة الأزمة عبر حكومة تصريف الأعمال وبأقل خسائر وانهيارات ممكنة، وصولا الى محطة الانتخابات النيابية التي يمكن أن تنظمها وتديرها حكومة دياب، أو يمكن أن تشكل حكومة انتخابات حيادية خصيصا لهذه الغاية والمهمة المحددة بأشهر قليلة.
وحتى ذلك الوقت تستمر مبادرة بري قائمة نظريا، ويظل اعتذار الحريري متعذرا ومؤجلا.