Site icon IMLebanon

سياسات “الحزب”: “أمجاد” بلا دولة ونظام الفشل والانهيار

كتب منير الربيع في “المدن”: 

في خضم الأزمة السياسية والانهيار المالي في لبنان، وبعيداً من الأسباب التفصيلية والخلافات اليومية التي تحول دون تشكيل حكومة أو الوصول إلى تسوية، نتيجة صراعات التحاصص بين القوى، هناك سبب أساسي للأزمة الراهنة المستعصية: علاقة حزب الله بالقوى السياسية، ورؤيته للدولة ومؤسساتها وكيانها وعلاقته بها.

الدولة وحزب الله

فتجربة حزب الله في ما يتعلق بصلته بالدولة أصيبت بفشل كبير. وذلك بسبب غياب فهم الحزب إياه طبيعةَ النظام السياسي اللبناني. فقدرته التنظيمية والتثقيفية الكبيرة تبتعد من قيام الدولة وعملها. ومقاربته النظام السياسي تبدو سطحية، وتدور في فلك خارجي. وهو حاول أن يفرض بالقوة ما لا يمكن للقوة أن تفرضه في لبنان، والذي عاش لسنوات قابعاً بين توازن القوة وقوة التوازن. ومهما تقدّمت الأولى على الثانية لا بد للثانية أن تعيد إثبات نفسها عند كل استحقاق أو محطة أو مفترق.

حتى بعد أحداث 7 أيار 2008 أيقن حزب الله عدم قدرته على الحسم والحكم. وأدرك أنه محكوم بالعودة إلى التسوية. وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة: قد تكون التسوية لصالح طرف أو طائفة أو فئة على حساب الآخرين في مرحلة من المراحل. ولكنها تظل محكومة بمسار التوازن. وهذا ما يتجلى في جميع التسويات التي حصلت.

أما في حالات الصدام والتصعيد، فالنتائج الكارثية غالباً ما تكون واضحة: منذ الإطاحة بحكومة سعد الحريري وارتدادات ذلك على الواقع السياسي والاقتصادي، إلى تشكيل حكومة حسان دياب.

الولاء سياسةً داخلية

ولم يطرح حزب الله أي خيار، لا لنظام بديل ولا لثقافة سياسية بديلة على صلة بالدولة. فثقافته السياسية تتمحور على مبدأ فصل بيئته عن سائر البيئات والجماعات اللبنانية. والفصل بين مؤسساته ومؤسسات الدولة. وتنجم عن هذا ازدواجية تتجلى في انقسام بين “شيعة الدولة” و”شيعة المقاومة”. ويقود هذا الانقسام إلى انقسام أوسع داخل البيئات اللبنانية، وخصوصاً عندما لا يجد اللبنانيون مؤسسات يرتكزون إليها. فيصبح الولاء لجماعة أو لشخص أو حزب أو جهة راعية ما.

وينطوي هذا مستقبلاً على ضعف في الولاء بسبب التجاذب والتنافس بين الجهات الراعية. ويمكن الاستدلال حول هذه المسألة، ولو بصورة تبسيطية، بالتنافس بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران. وهو تنافس إن لم يكن له انعكاسه على السياسة الخارجية الإيرانية، فإنه يتسبب بضعفٍ داخل المجتمع الإيراني، لا بقوة داخلية مستمدة من فاعلية التنوع الطبيعي.

وقد قالها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد ذات مرة: “لقد أخطأنا بعدم الاهتمام على المستوى المطلوب في الشؤون الداخلية اللبنانية”.

ومنذ سنوات خمس، وصل حليف حزب الله الأساسي ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. لكن الحزب إياه وحليفه لم ينجحا قط في تكوين وجهة إصلاحية أو تغييرية، على الرغم من رفع شعارات محاربة الفساد وأمثالها.

أمجاد بلا دولة

وينطلق عون وحزب الله من مشروعين مختلفين، يقوم بنيانهما على تناقض مثير وواضح، لكن كلاهما يلهج بالسعي لمكافحة الفساد وبناء الدولة. علماً أن الوقائع تشير إلى أن هذا المشروع لا ينسجم إلا مع التسوية التي تلبي شروطهما. لكن آلية العمل بالتسوية من خلال الدولة، لم تؤد إلا إلى حرب غير معلنة ضد الآخرين: إما لتطويعهم أو لدفعهم إلى تقديم تنازلات لصالح تعزيز المكتسبات.

الحركة الوطنية مثلاً، قدّمت أثناء الحرب الأهلية مشروعاً بديلاً ومتكاملاً، بغض النظر عن مصيره ومساره الفاشلين. أما حزب الله فترفع أو استنكف عن السياسة الداخلية، معتبراً أن اهتماماته استراتيجية كلها. وهذا من شأنه أن يضعفه أكثر فأكثر لا أن يقويه. والدليل ما آل إليه نظام حافظ وبشار الأسد، الذي أرسى سياساتة كلها على استراتيجيات خارجية.

هل ينفع في هذا السياق استعادة القول المعروف: “لا أحد يمكنه أن يكون أكبر وأقوى من بلده”؟ فلا يمكن لذاك “المجد” كله الذي أحرزه حزب الله أن يُستثمر في التغافل عن استحقاقات أساسية: منها ما يتعلق ببنية النظام ودواخله على الصعيد التقني والإداري. ومنها ما يتعلق باصطفافه السياسي الذي يريد من خلاله أن يربح الجميع وعدم الاصطدام بأي طرف.

وهو في هذا كمن يريد أن يربح كل شيء، ويكرس منطق تعاليه على الدولة في رعاية النظام وأركانه جميعاً: سواء بتطويعهم بفعل الخوف والقوة، أو الاتكال عليه مصلحياً، وتحقيق مكاسب سياسية وغير سياسية.