Site icon IMLebanon

بوريل وحديثه عن سوء الإدارة في لبنان

كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي زار بيروت مؤخرا، قال أن سبب تعطيل تشكيل الحكومة داخلي 100%، وتردي الأوضاع اللبنانية ناتج عن سوء إدارة البلاد. الغالبية توافق بوريل على هذا التشخيص، لكن البعض يرى أن هناك عوامل خارجية تؤثر سلبا على الوضع، وجزءا من الانسداد السياسي والتعنت يعود لتشجيع قوى خارجية لقوى محلية على السير بمثل هذه المقاربة الفاشلة التي اعتمدتها، لأن قوى الإقليم استخدمت لبنان كمتنفس لها للهروب من العقوبات، والقوى الدولية الصديقة للبنان لم تفعل أي شيء للحد من مثل هذه التدخلات، لأن مصالحها مع القوى الإقليمية الكبيرة تفوق فائدتها من لبنان.

تمادت قوى أساسية متحكمة في قرار الدولة في اعتماد الحسابات الشخصية والفئوية والانتخابية بمناسبة ممارستها للسلطة، ولم تكترث لهول النتائج التي تحصل من جراء سوء الخيارات والاستهتار. والدول الصديقة للبنان تركته لسنوات يتخبط بمشكلاته المعقدة، وأدركت مؤخرا أن سقوطه يعني إنتاج فوضى عالمية متشعبة، ولها مجموعة من التأثيرات الإستراتيجية، تبدأ بإعادة توزع خارطة النفوذ في المنطقة، ولا تنتهي عندما يمكن أن يحدث من جراء تواجد أكثر من مليوني نازح على الأراضي اللبنانية.

يمكن إدراج مثال على سياسة الاستهتار وسوء الإدارة التي اعتمدها نافذون في الدولة منذ سنوات، من خلال شرح طريقة التعاطي مع محطة رشميا لتوليد الكهرباء من المياه كنموذج للاستهتار الذي بلغته مؤسسات الدولة اللبنانية، وهذه المحطة أقدم المشروعات الإنمائية في لبنان، وعمرها من عمر دولة لبنان الكبير، حيث تم تدشين العمل فيها بتقنية فرنسية في العام 1921، وهي تنتج ما يقارب 13 ميغا من الطاقة، عن طريق ضخ قسم من مياه نبع الصفا الشهير بالجاذبية، وبواسطة أنابيب ضخمة تنحدر فيها المياه المجمعة في بركة كفرنيس عبر أراضي قريتي شوريت وكفرحي الشوفيتين لتصل الى توربينات التوليد في وادي بلدة رشميا في قضاء عاليه.

ما يحصل مع هذه المحطة لا يصدق، ولم يشهد له مثيل في تاريخ لبنان، ويؤكد أن مسؤولية الإخفاق في ملف الكهرباء الذي استنزف خزينة الدولة، تقع على عاتق الذين تولوا إدارة الملف. ومحطة رشميا المتوقفة حاليا، كانت تعمل حتى ايام الحروب السابقة، وهي لا تكلف الدولة تغذيتها بالفيول المستورد بالعملات الصعبة، بل تحتاج الى صيانة وحسن إدارة واهتمام. وتقدر قيمة ما تنتجه المحطة خلال 7 أشهر من السنة تكون المياه فيها متوافرة بغزارة بما لا يقل عن 5 ملايين دولار أميركي.

لماذا المحطة متوقفة عن توليد الطاقة اليوم والقرى المحيطة بها تعيش في العتمة والناس منهكون من جراء دفع فواتير المولدات؟

في شتاء العام 2019 ومن جراء اشتداد العاصفة، حصل انهيار للتربة في بلدة كفرنيس أدى الى تفكك قسم من الأنابيب، لكن بعض العارفين يقولون إن السبب المباشر للانهيار ناتج عن حفريات قام بها أحد أقرباء وزير من المنطقة وليس فقط بسبب قوة العاصفة، لأن مثل هذه العواصف لم تؤثر على طبيعة الأرض المنحدرة والصلبة التي تمر بها انابيب نقل المياه الى المحطة طيلة مائة عام. وقد سارع وزير الطاقة سيزار ابي خليل ووزير الثقافة غطاس خوري في حكومة تصريف الأعمال حينها، ومعهم رئيس الهيئة العليا للإغاثة الى تفقد المكان في 23/1/2019 واعتبروا ما حصل كارثة طبيعية أدت الى إتلاف جزء من أنابيب جر المياه. وقد أعلنت الهيئة العليا للإغاثة تلزيم إصلاح الأضرار بموافقة الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ربما لأن الوزيرين مقربان منهما. والغريب أن المتعهد الذي كلفته الهيئة بتنفيذ الأشغال، بنى الحائط الضخم لصاحب الأرض الذي قام بالحفريات، وحتى الآن يمتنع هذا المتعهد عن إصلاح خطوط الجر الحديدية التي تنقل المياه لمحطة التوليد.