كتبت سابين الحاج في “الجمهورية”:
تتجه الأنظار نحو الجولة السابعة من مفاوضات فيينّا بين إيران والقوى الكبرى، إذ تُعلَّق آمال على أنها قد تشهد عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق العام 2015 ورفع العقوبات عن إيران مقابل التزام الأخيرة كَبح برنامجها النووي وتخصيب اليويورانيوم عند الحد المنصوص عليه في الاتفاق.
أعلن الدبلوماسي الأوروبي إنريكي مورا، في اختتام الجولة السادسة من المحادثات، أنّ المفاوضين باتوا «أقرب» الى إنقاذ الاتفاق النووي. وأكد المبعوث الروسي ميخائيل أوليانوف أنّ «اتفاقاً بات في متناول اليد لكن لم يتم الانتهاء منه بعد».
وفي هذا السياق، يوضح مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية الدكتور محمد صالح صدقيان، في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ «المفاوضات التي جرت خلال 6 جولات من المحادثات في فيينا بين إيران ومجموعة 5 + 1 توصلت إلى مسودة للاتفاق، وهذه المسودة استندت الى تقارير 3 لجان فرعية».
ويشير إلى أنّ «اللجنة الأولى نظرت في خطوات إيران التصعيدية في برنامجها النووي وآلية رجوعها إلى نقطة المربع الأول، يعني إلى ما تم التوصّل إليه في العام 2015. واللجنة الثانية شُكلت في شأن العقوبات الأميركية التي فرضها (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب ومن المفترض أن تُزال بإحياء الاتفاق النووي، وذكرت العقوبات التي يجب أن تُزال. واللجنة الثالثة استندت إلى آلية أو خطوات رجوع إيران إلى التزاماتها في الاتفاق النووي».
وفي حين عاد المفاوضون إلى بلدانهم «للاستراحة»، من دون تحديد موعد لاستئناف المحادثات، لفتَ نائب وزير الخارجية الإيرانية ورئيس وفد بلاده إلى فيينّا عباس عراقجي الى أنه «حان الوقت لجميع الأطراف، وخصوصاً لنظرائنا، أن يكونوا قادرين على اتخاذ قرارهم النهائي».
ويوضح صدقيان أنّ «هذه المسودة تحتاج إلى موافقة العواصم المعنية بها».
ومن ناحية إيران يؤكد صدقيان أنّ «مجلس الأمن القومي الإيراني شكّل لجنة تضم كلّاً من المجلس، الحكومة، البرلمان، ومندوب عن الرئيس المُنتخب لمناقشة هذه المسودة واتخاذ القرار اللازم».
تزامناً، تُقدّم العواصم المعنية إشارات متضاربة. فطهران أكدت أنها تنتظر القرار السياسي من واشنطن، لافتةً إلى أنه «ربما الجولة المقبلة من المفاوضات في فيينّا سوف تكون الأخيرة»، بينما أعلنت واشنطن أنّ الخلافات ما زالت قائمة بين إيران والقوى العالمية، و»ما زال علينا قطع شوط طويل حول المسائل الجوهرية، بما في ذلك العقوبات والتعهدات الواجب على إيران قطعها».
ويلفت صدقيان إلى أنّ «هذه المسودة بحثت الضمانات التي يجب أن تُعطى من كل الأطراف، سواء كان من الجانب الإيراني أو من الجانب الأميركي، حتى لا تتكرّر تجربة الرئيس ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي»، مُعرباً عن اعتقاده بأنّ «الأمور وصلت إلى نهاياتها وحالياً ينتظر الجميع الموافقات النهائية من العواصم حتى يُصار إلى توقيع هذا الاتفاق».
الالتزام مقابل رفع العقوبات
يتركز جوهر المفاوضات في فيينّا على عودة إيران إلى التزاماتها في الاتفاق النووي مقابل رفع العقوبات عنها.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ مسائل كثيرة تبقى عالقة بين إيران والقوى الكبرى، وأبرزها صواريخ إيران البالستية و»نشاطها المزعزع للاستقرار في المنطقة»، وهي من الأسباب الرئيسة التي ذكرها ترامب مُعللاً انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران العام 2018.
ومن هنا تُطرح أسئلة كثيرة حول ماذا دار في مفاوضات فيينّا المُغلقة. فهل اقتصر النقاش على النووي مقابل العقوبات، أم طالبت ايران بما هو أبعد من ذلك مقابل طَمأنة الغرب القلِق من إمكانية توصّلها إلى امتلاك سلاح نووي في غضون أسابيع إذا ما واصلت وتيرة تخصيبها الحالية. وقد يكون من بين مطالبها الاعتراف بدور إيراني جديد لإدارة ملفات المنطقة، وبسط سيطرتها على ساحات بعيدة من حدودها تمرّ بعواصم عربية.
في هذا الشأن يقول صدقيان إنّ «مفاوضات فيينّا لم تشهد التطرق إلى أي قضية خارج إطار الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس ترامب، وبالتالي انصَبّت كل المفاوضات على آلية إحياء هذا الاتفاق الموقّع العام 2015». ويضيف: «رفض الجانب الإيراني الخوض في أي مفاوضات أو أي ملفات غير تلك المتعلقة بآلية إحياء الاتفاق النووي».
ويؤكد: «إذا ما وافقت الدول 5 +1 على تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي، فإنّ إيران سوف تتراجع عن كل خطواتها التصعيدية في برنامجها النووي».
«سلة عقوبات»
توازياً، أكدت واشنطن أنه يجري التفاوض حالياً في شأن أي عقوبات ستُرفع عن إيران، بعدما كانت قد أعلنت سابقاً أنها لن ترفع كل العقوبات عن إيران، وتلك التي لا علاقة لها بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي).
ويوضح صدقيان أنّ إيران تخضع لـ»سلة من العقوبات، فهناك عقوبات فُرضت على إيران على خلفية البرنامج النووي، وعقوبات فُرضت على خلفية ما يسمّى بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الإقليمية، وعقوبات فُرضت على خلفية حقوق الإنسان».
ويضيف: «أزالَ الاتفاق النووي في العام 2015 كلّ العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على خلفية البرنامج النووي الإيراني، لكنّ الرئيس ترامب فَعّل كلّ هذه العقوبات، كما أضاف 700 فقرة من العقوبات على إيران».
ويقول: «هناك 700 فقرة فرضَها ترامب ليست كلها على خلفية البرنامج النووي الايراني وإنما هناك قضايا متعلقة بالارهاب، والتدخل الايراني، وحقوق الإنسان».
ويؤكد أنّ «اللجنة الثانية المُشكّلة في المفاوضات لبحث العقوبات قررت إلغاء كلّ العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب، سواء تلك المنصوص عليها في اتفاق 2015 أو التي فرضها في عهده على ايران».
ويوضح أنّ «المسودة التي كُتبت في فيينا تضمنت رفع كل العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب، أي منذ العام 2017 إلى 2020»، لافتاً إلى أنّ «من جملة هذه العقوبات رفع الحظر عن الشخصيات الإيرانية».
وتجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس الإيراني المُنتخب ابراهيم رئيسي يخضع للعقوبات الأميركية بسبب مزاعم ضلوعه في إعدام معتقلين سياسيين قبل عشرات الأعوام.
ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية غير حكومية باستمرار بين رئيسي وحملة الإعدامات التي طالت سجناء ماركسيين ويساريين العام 1988، حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران. وكان هذا الملف من الأسباب التي أوردتها وزارة الخزانة الأميركية لدى إعلانها فرض عقوبات عليه في 2019.
ولم توفّر عقوبات ترامب عدداً كبيراً من كبار السياسيين الايرانيين إذ طالت أيضاً مكتب المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، وغيرهما.
ويؤكد صدقيان أنّه «بحسب المعلومات الواردة ستُرفع العقوبات عن كلّ هذه الشخصيات الإيرانية».