اذا كان اشتباك الإرادات المتصادمة، قد دام أشهراً طويلة منذ استقالة حكومة حسان دياب، وأفضى الى إعدام كل فرص تأليف الحكومة الجديدة، وأبقى البلد في عهدة حكومة تصريف الاعمال فاقدة لأبسط مقومات العمل المنتج والمجدي، ويُنذر بإبقائه في عهدتها حتى نهاية العهد الحالي، وفق ما يؤكّد عليه القرار الحاسم بالتعطيل، فإنّ القوى السياسية على اختلافها باتت تحضّر نفسها لاشتباك آخر في مدى غير بعيد، اكثر قساوة وحدّة، والكلمة فيه للشعبوية وشدّ العصب الطائفي والمذهبي والسياسي.
نذر هذا الاشتباك الجديد، بدأت تطلّ من باب الانتخابات النيابية، حيث تؤكّد معلومات «الجمهورية»، انّ مختلف القوى السياسية بدأت تحضّر نفسها من الآن للاستحقاق الانتخابي، ويتبدّى ذلك في تجهيز الماكينات الانتخابية استعداداً لهذا الاستحقاق، الذي يفترض ان يتمّ قبل نهاية ولاية المجلس النيابي في ايار من العام المقبل، اي بعد نحو 10 اشهر.
وعلمت «الجمهورية»، انّ جلسات متتالية بدأت تُعقد على مستوى الاحزاب السياسية، والنقاشات التي تدور حول الاستحقاق الانتخابي أجمعت على انّ ثمة استحالة لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الطبيعي على اساس القانون الانتخابي الحالي، إن لم يُصر قبل ذلك الى اجراء تعديلات اساسية في متن القانون، ولا سيما ما يتعلق بالبطاقة الممغنطة، او ما يتعلق بانتخاب المغتربين وانتخاب 6 نواب يمثلون الاغتراب في القارات الست، اضافة الى امور اخرى.
وبحسب المعلومات، فإنّ هذه التعديلات ميسّر اجراؤها بالتوافق، وفق العمل بالبطاقة الممغنطة التي نصّ القانون الحالي على العمل بها في الانتخابات المقبلة، وكذلك تجاوز انتخاب المغتربين هذه المرّة، لاعتبارات تتصل بعدم قدرة لبنان على تنظيم هذه الانتخابات لوجستياً ومالياً. الّا أنّ الاهم في موازاة ذلك، هو بعض التعديلات الخلافية التي بدأت تظهر من الآن، وتنذر باشتباك حاد حولها. علماً انّ الموقف من القانون الحالي منقسم بشكل حاد حول من يؤيّده ويعتبره انجازاً، وعاكساً لسلامة التمثيل، ويصرّ على اعتماد تقسيماته الانتخابية وبالصوت التفضيلي في الانتخابات المقبلة. ويقف في هذا الجانب «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» على وجه الخصوص. فيما الموقف في المقلب الآخر مناقض تماماً، ويعتبر انّ هذا القانون هو قانون مسخ شوّه الحياة الديموقراطية ولا يحقق صحة التمثيل وسلامته، وقدّم النموذج الأسوأ لنسبية ممسوخة ضربت مبدأ حسن التمثيل وشموليته. ويتصدّر الرافضين لهذا القانون الرئيس نبيه بري، الذي اكّد في يوم الانتخابات في العام 2018 انّ هذا القانون هو قانون مشوّه، يضرب الحياة البرلمانية ولا يحقق التمثيل الصحيح، ولا بدّ من تغييره. وكذلك كان موقف «حزب الله».
وبحسب المعلومات، فإنّ عناصر الاشتباك المقبل، تتوزّع حول اقتراحات تعديلية ترمي الى:
– اولاً، اقتراح توسيع الدوائر الانتخابية، بما يؤكّد حسن اعتماد النسبية، التي اثبتت فشلها في الدوائر الصغرى. حيث يتمّ استبدال الانتخاب في الدائرة الصغرى (القضاء)، بالانتخاب في الدوائر الموسعّة (المحافظات الثماني : بيروت، جبل لبنان، الجنوب، النبطية، الشمال، عكار، البقاع، بعلبك الهرمل).
– ثانياً، اقتراح رفع الصوت التفضيلي من صوت تفضيلي واحد الى صوتين، بما يمنح الناخب حرية اكبر واوسع للاختيار.
– ثالثاً، اقتراح تخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة، باعتباره يحاكي حق الشريحة الاوسع من اللبنانيين، وخصوصاً الشباب، في اختيار من يشاؤون للندوة البرلمانية.
وقالت مصادر مواكبة للحراك الانتخابي لـ«الجمهورية»، انّ الوقت لم يعد بعيداً لدخول البلد عملياً في اجواء الانتخابات النيابية، حيث يفترض ان تُنجز هذه التعديلات خلال فترة وجيزة لا تتعدّى اسابيع قليلة، على ان يصدر خلالها القانون بصيغته المعدّلة قريباً، ما يتسنّى للمرشحين كما للناخبين التحضير للاستحقاق. وفترة التحضير هذه تتطلب بالحدّ الادنى 6 اشهر لتجهيز الماكينات وإعداد اللوائح وما الى ذلك. وهذا يعني انّ القانون المعدّل يفترض ان يصدر في الخريف المقبل على ابعد تقدير.
على انّ ما تخشى منه المصادر هو ان نصل الى مرحلة صعبة من التعقيدات والتباينات، ذلك انّ كل الاطراف لم تقدّم في السابق اي اشارة في اتجاه اعداد قانون يؤمّن صحة التمثيل على المستوى اللبناني العام، بل انّها قاربت هذا الموضوع من زاوية انّ كل طرف يقارب القانون الانتخابي كثوب يفصّله على مقاسه السياسي والحزبي وحجم الربح الذي يمكن ان يحققه منه.