اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أننا “أصبحنا نعيش ضمن بيئة ومجتمع وسلطة ومرافق عامة وكيانات وأعمال انكشفت التجربة معها عن كارثة مدوية أضحى الناس فيها على آخر نفس، مطوقون بالذل، بالتجويع، بالبطالة، بالاحتكار، بالسلع المهربة والمخزّنة، لا ماء، لا كهرباء، لا محروقات، لا خدمات، لا إغاثة، لا دواء، لا دولة حتى بالحد الأدنى، الدولة باتت لا لون ولا طعم، حتى حكومة تصريف الأعمال أصبحت في عالم آخر “لا بتهش ولا بتنش”، ولا كأنها موجودة، على الرغم من كل المؤشرات الأمنية والمعيشية والسياسية الخطيرة”.
وأضاف خلال خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة: “نحن أمام تحد أمني معيشي سياسي خطير، ومفترق سيقودنا إلى الفوضى المدمرة والكارثة المحتمة، وما يمكن قوله اليوم أن اللبنانيين يعيشون حالة حرب حقيقية، صحيح “ما في رصاص وقذائف”، ولكن حروب الحصار والتجويع والبورصات والدولار واحتكار الدواء والمتاجرة بأرواح الناس وإذلالهم أمام المحطات والصيدليات لأشد فتكا من حروب الرصاص والقذائف، نعم هي لأشد فتكا ولأفظع إجراما تمارسها مجموعة سياسية لا تعرف ربا وليس لها دين، إنما هي ديكتاتورية غير مسبوقة، تاجرت برغيف الخبز، حتى حليب الأطفال لم يسلم من جبروتها وطغيانها”.
واشار قبلان الى أننا “أمام مأساة مرعبة لم نشهدها من قبل، بعدما حولوا البلد إلى فدرالية طوائف، وأخضعوه لسياسة الحصص والصفقات والبورصات لتسهيل نهبه وإفلاس خزينته وإسقاط عملته وإفشال مؤسساته بعدما تقاسموه وسيسوه وجعلوه تابعا لهذا وذاك، الأمر الذي أدى إلى هذا السقوط المدوي الذي بات يهدد بقوة مشروع الدولة والوحدة الوطنية، سيما أن اللاعب الفاعل في البلد دولي وإقليمي مساهم لا بل مشارك بالتعطيل وغير جاد في عملية الإنقاذ، لأنه للأسف من عادة تصنيع الحكومات في لبنان يكون خارجيا قبل أن يكون داخليا”.
الى ذلك، أكد “ضرورة الحلول الوطنية، ونصر على إنجاح المبادرات الداخلية الساعية بجهد لتشكيل الحكومة في أسرع وقت. وعلى الذين يعملون من هنا وهناك لغايات ومصالح خاصة وشخصية، ويمارسون المزايدة في العناوين والشعارات والصلاحيات، أن يوقفوا هذه اللعبة المدمرة، فلبنان مهدد، واللبنانيون ضاقوا ذرعا وكفروا بكل شيء وفقدوا ثقتهم بالجميع، ولم يعد بمقدورهم أن يتحملوا المزيد من هذا النفاق السياسي، وهذا النهب الممنهج لبلد لا يمكن إنقاذه إلا بتغيير حقيقي وإصلاح جذري في الخطاب والمفاهيم والذهنيات، التي إذا لم تنظّف من النرجسيات والموبقات الطائفية والمذهبية وصراع الأنا والمصالح، فنحن سائرون على طريق اللاعودة”.
وحذر من “التأخير والتسويف، فالوقت ليس لصالح أحد، ولا لصالح البلد، فسارعوا إلى حكومة توقف الكارثة، وتؤسس لما يمكن البناء عليه، من أجل وطن خارج أي وصاية دولية وإقليمية”. مشددا على “ضرورة حماية الجيش والقوى الأمنية ودعمها وحمايتها من الضغوط المادية والمعنوية، بعيدا عن الزواريب السياسية، بل الوقوف إلى جانبها لا سيما في هذه الظروف الصعبة، حفاظا على الاستقرار وتعزيزا للسلم الأهلي، وتأكيدا على وظيفة الجيش ودوره الوطني”.
وعما يحكى عن مؤتمرات إغاثية من أجل لبنان واللبنانيين، توجه قبلان بالشكر “لكل تجاوب ومسعى ومساهمة”، محذرا “من الشروط والأثمان السياسية التي لا يمكن للبنان أن يتحملها، وإذا كان لا بد من شروط إصلاحية فلتكن على قاعدة قواعد رقابية شاملة، ودولة مواطنة، لأن الطائفية حولت البلد جزرا من دون رقابة وقوانين”.
وختم قبلان مشددا على “أن الوجود المسيحي في لبنان ضرورة وطنية وإنسانية، وليس منة من أحد، إنما هو حق تاريخي وقيمي ووجودي، ونحن حتما لم ولن نقبل أن يكون هذا الوجود مهددا، أو أن تكون الشراكة المسيحية الإسلامية في الشرق وبخاصة في لبنان معرّضة أو قابلة للاهتزاز أو للابتزاز، فهذا أمر محسوم، وخط أحمر عرفناه وتعلمناه من مدرسة الإمام المغيب السيد موسى الصدر. وعليه، نحن نضم صوتنا بقوة إلى صوت البابا فرنسيس، من أجل حماية ووجود مكرم ومعزز، وشراكة مواطنة فعلية، لأن الصراع ليس على الهوية الدينية والطائفية، بل من أجل سلطة عادلة ونزيهة ومشروع دولة يحمي الجميع”.