Site icon IMLebanon

هل تستمر المواجهة حتى “الارتطام الكبير”؟

كتب جورج شاهين في الجمهورية:

لا ينفك أحد المعنيين بأقسى العِقَد التي تعوق التوصل الى التشكيلة الحكومية الجديدة عن الإشارة بجدّية مفرطة حتى الاستعلاء الى مدى فهمه لحجم الازمة التي تعيشها البلاد ونتائجها المنتظرة. وعند دخوله في شرح المنحى الخطير الذي اتخذته الاوضاع، يشعر محدثوه بالصدمة عندما يعفي نفسه من كل مسؤولية، قبل ان يدّعي القدرة على تعطيل سلسلة المبادرات الخارجية والداخلية. فما الذي يؤدي الى هذه القراءة؟

أثبتت التجارب التي عاشتها البلاد في الاسابيع المنصرمة، انّ بعضاً من اسرار اللعبة الحكومية كانت في حوزة مجموعة من الديبلوماسيين الذين شاركوا في تسويق مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 2 أيلول الماضي، قبل ان ينخرطوا في حملة الدعم التي أطلقتها الديبلوماسية الفرنسية، التي لم يكن سراً انّ باريس اضطرت الى تنظيمها لتسويق مبادرتها، وهو ما ادّى الى التعاون والتنسيق مع مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي ومصر والامارات العربية المتحدة، قبل ان تتوسع لتنضمّ إليها الديبلوماسيتان الأميركية والبريطانية ومعها المؤسسات الاممية بأشكال متعدّدة الوجوه.

وفي المقابل، وجب على المراقبين ان يأخذوا في الاعتبار مواقف عدة لم تعترف بأهمية المبادرة الفرنسية، ولم ترتح الى ما قالت به، لكن ذلك لم يحل دون سعي باريس الى تحصينها وتسهيل تطبيق خريطة الطريق التي رسمها ماكرون بحملة ديبلوماسية لدى القوى الاقليمية المؤثرة على الساحة اللبنانية. ولذلك، توجّه موفدوها إلى الرياض وطهران وعواصم مختلفة، سعياً وراء ما يسهّل اعادة بناء التفاهمات الداخلية لتسهيل التوافق على التشكيلة الحكومية العتيدة، ليقينها الثابت انّ بعض اللبنانيين يستندون في مواقفهم المتشدّدة إلى ولاءات خارجية مختلفة، وثبت انّهم كانوا وما زالوا يراهنون على انتصارات اقليمية لهذا المحور او ذاك، لا بدّ من الافادة منها في تعزيز موقفهم في مجريات الأزمة الداخلية.

وتأكيداً لهذا المنحى الذي سلكته الامور، فقد سادت لفترة غير قصيرة اجواء عدة تنعي المبادرة الفرنسية، او على الاقل تتحدث عن حجم العقبات التي تحول دون نفاذها. فعلى رغم الوضوح الذي حملته هذه المبادرة، بعد تناولها الخطوات الحكومية والادارية والمالية المبرمجة بنحو منطقي وفي مِهَل معقولة، كان هناك من يشكّك بها وبنيات باريس وأهدافها الدفينة، وصولاً الى اتهام ماكرون شخصياً بالسعي الى كسب سياسي ومعنوي في الخارج، يعينه على تعزيز نفوذه داخل بلاده التي دخلت مدار الانتخابات المتدرجة على اكثر من مستوى وصولاً الى الرئاسية منها.

وقد تناسى هؤلاء، انّ ما قالت به المبادرة الفرنسية لم يقارب المعجزات، ولم تأت بما تمّ استنساخه او استيراده من التجارب الدولية. فمقترحاتها وضعت على لائحة القرارات والخطوات الإصلاحية التي حدّدتها اكثر من جهة ومؤسسة لبنانية، قبل ان تتبناها باريس وهيئات إقليمية ودولية. وكان ذلك مقبولاً بشمولية، قبل ان يتردّد بعض الاطراف اللبنانيين في دعم هذه الخطوات المقترحة، فتراجعوا تباعاً عن تبنّيهم مختلف المراحل المقرّرة، لأسباب تتصل بمصالح آنية وقصيرة المدى بأبعاد داخلية تافهة، وهو ما ادّى الى ما اعاق تنفيذ كل ما كان مطروحاً على اكثر من مستوى حكومي ونقدي وإداري، في مواجهة الازمة المستفحلة التي طاولت مختلف وجوه حياة اللبنانيين.

وبمعزل عن هذه القراءة المنطقية لتطورات الأشهر الثمانية الفائتة التي تلت تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، فقد تحدثت مراجع ديبلوماسية عن الحاجة الماسة الى إجراء مقاربة جديدة مطلوبة من مختلف القيادات اللبنانية، لمواجهة ما هو آتٍ على مواطنيهم من استحقاقات وضعت البلد على شفير الانهيارات الكبرى المتتالية التي ستطاول القطاعات الحيوية المختلفة. فتراجع الخدمات العامة التي يحتاجها اللبناني في يومياته بلغت نسبة غير مسبوقة لم تشهدها أي دولة في العالم، ولا يمكن تجاهل تداعياتها المباشرة وغير المباشرة مخافة أن تتطور الى ما هو أسوأ بكثير.

لا تقف مخاوف الديبلوماسيين عند هذه الحدود فحسب، فقد اضطر أحدهم الى الكشف في مجلس خاص، عمّا يقوده الى هذه الدرجة من القلق، مستنداً الى مخزون من المعلومات التي رسمت له تصوراً مخيفاً حول ما هو متوقع. ويضيف: «ما هو مرعب ولا يمكن تصديقه، انّ من بين القيادات السياسية المتناحرة من يعرف ومنذ زمن بعيد، ما يمكن ان تبلغه أوجه الازمة. وهو يعرف ما هو مطلوب منه ومن خصومه، من دون ان يسجّل موقفاً منطقياً يعيد ما انقطع من حوار تسهيلاً لما أُطلق من مبادرات خارجية وداخلية، ما زالت تحاكي ما يمكن القيام به بالحدّ الادنى المطلوب، قبل فقدان مختلف أشكال المخارج والحلول». ويستطرد ليضيف: «يعرفون انّهم جميعاً في «بوسطة» واحدة تنقاد في منحدر خطير من دون سائق ولا مكابح. وما زالوا يصرّون على اصطحاب جميع اللبنانيين شاء من شاء منهم او أبى ذلك، ومن مختلف التوجّهات والمناطق، من دون اتخاذ اي قرار يمكن ان ينقذهم أو على الأقل يضع حداً للانهيار السريع المرتقب».

والأخطر، يضيف الديبلوماسي، انّ «عدداً من القادة اللبنانيين الذين يحتفظون بالسقوف العالية يراهنون على بلوغ «الارتطام الكبير» لتصدق نظرياتهم، فأياً كانت النتائج المترتبة عليها لا يمكنهم تجاهل انّ ما هو مطلوب لا يقف عند صحة توقعاتهم، بمقدار الحاجة الى ما يوقف النزيف الحاصل مادياً وسياسياً وادارياً، قبل بلوغ المرحلة القاتلة التي لا يعود فيها اي علاج كافٍ لمداواتها. وعندها ستنهار السقوف فوق جميع اللبنانيين ولا يعود هناك ما يبرّر الندم».

ويختم الديبلوماسي ليقول: «إنّ الاعتراف، ولو جاء متأخّراً، بما ارتُكب من ذنوب، لا يمكن ان يتجاهله التاريخ المعاصر عند كتابة فصول من هذه المرحلة الخطيرة التي تعيشها البلاد. وان استمر الوضع على ما هو عليه، فإنّ الجميع سيدركون انّهم ارتكبوا مجزرة جماعية في حق اللبنانيين. وعندها لا يمكن تبرير ذلك سوى بوجود إقتناع لدى من بيده مفتاح الحل والربط، بأن ليس هناك من يحاسب لا اليوم ولا في الغد القريب. وعندها لم يعد مستغرباً ما يمكن ان يحصل في قابل الايام. وما علينا سوى الترقب. وانّ غداً لناظره قريب!