غاب الملف اللبناني عن مداولات القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل ولم يدرج على جدول أعمالها الحافل بالملفات والقضايا الأوروبية والدولية. وهذا الغياب، الذي حصل على الرغم من زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عشية قمة بروكسل، كان متوقعا، ليس فقط بسبب انشغال الأوروبيين بقضاياهم وبسبب الترتيب الجديد للأولويات الذي يضع الشرق الأوسط في أسفل اللائحة، إنما أيضا لأسباب أخرى تتصل بالملف اللبناني وتطوراته وكيفية مقاربته ووجود عقبات عملية وموضوعية تحول دون وضعه على الطاولة الأوروبية، ويمكن اختصارها في النقاط التالية:
1 ـ حالة الارتباك والتضعضع عند الفرنسيين الذين يقودون السياسة الأوروبية في لبنان ويلعبون دور المحرك والدافع فيها، ومازالوا بصدد مراجعة سياستهم ومبادرتهم التي وصلت إلى طريق مسدود، ويبحثون عن مقاربة جديدة للوضع وعن خيارات بديلة. ولم يقرر الفرنسيون بعد ما إذا كان سيعتمدون خيار فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين في لبنان، ولم يعرف بعد ما إذا كان حكمهم السياسي على باسيل والحريري هو حكم نهائي أم أنهم مازالوا يفكرون في «تعويم الحريري» وإعادة تأهيل صورة باسيل دوليا، وليس واضحا بعد إذا كانوا أداروا ظهرهم لموضوع الحكومة وتحولوا كليا إلى الرهان على الانتخابات.
ولكن ما هو واضح أن ما يشغل بالهم الوضع الأمني الهش والوضع الإنساني المزري، وبالتالي، فإن تركيزهم هو على دعم الجيش وإرسال مساعدات.
2 ـ عدم الجهوزية الأوروبية، وعدم وجود ورقة مقترحات وتوصيات لعرضها على قمة بروكسل، أو «ورقة خيارات سياسية» لإشراك الأوروبيين في القضية اللبنانية.
وكان بوريل، عمل بناء على طلب فرنسي على «ورقة خيارات» ليكون الاتحاد الأوروبي مستعدا لمساعدة لبنان الذي ينهار ويغرق. وبالفعل أعد هذه الورقة التي تضمنت حوافز وعقوبات، ولكنها لم تبحث على مستوى المجلس الوزاري الأوروبي، وبدا أن الأمور متجهة إلى مزيد من الانتظار الذي سيبدو أنه سيطول لأن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الاجتماعات والمناقشات. كما تبين أن موضوع العقوبات الأوروبية تعترضه جملة عوائق وعقبات لعدم استنادها إلى «أساس قانوني» وحاجتها إلى إجماع أوروبي، إضافة إلى وجود تباين حتى داخل فرنسا في النظرة إلى موضوع العقوبات وكيفية التعاطي معها.. هذا دون إغفال الزيارة التي قام بها بوريل إلى لبنان عشية القمة الأوروبية، وجاءت مخيبة وصادمة في نتائجها.
3 ـ عدم وجود سياسة وخطط أميركية خاصة للبنان، خصوصا أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لم تتبلور بعد، ومازالت تتصف بالارتباك وعدم الوضوح، خصوصا مع وجود ميل أميركي للتوجه شرقا (أولوية المواجهة مع الصين وروسيا)، ولإعطاء الملف النووي الإيراني أولوية إقليمية، ولبنان ليس في منأى عن نتائج المرحلة الأميركية الانتقالية، وليس موجودا في أولويات واشنطن وعلى جدول أعمالها لمنطقة الشرق الأوسط.
وإذا كانت الإدارة الأميركية معنية بعدم انهيار الوضع اللبناني وتدعم المبادرة الفرنسية من هذه الخلفية، فإنها من جهة لم تبلور أي رؤية لسياستها اللبنانية والعقوبات الأميركية بحق شخصيات لبنانية ستبقى معلقة لأشهر إضافية.
من جهة ثانية، لا تأخذ على محمل الجد تلويح الفرنسيين بفرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة اللبنانية، وفي وقت لا يملك الاتحاد الأوروبي التأثير في ظل عدم رغبة واشنطن في بلورة استراتيجية جديدة خاصة بلبنان.
ولم تقرر واشنطن بعد في تقييمها لتطورات الأزمة اللبنانية ما إذا كانت «الفوضى المرتقبة» مع اكتمال حلقات الانهيار ستؤدي إلى سيطرة حزب الله كونه الأقوى والأكثر تنظيما وتماسكا، أم ستؤدي إلى إشغال وإنهاك لبنان في دوامة الأزمات ومستنقع الصراعات الداخلية، ما يجعله أكثر ليونة وأكثر استعدادا للتنازل في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
من هنا سادت أجواء سلبية في الاجتماعات الأوروبية في بروكسل، بعدما تبلغ الاتحاد الأوروبي عدم وجود أي نية أميركية في الوقت الراهن لتقديم مساعدات لأي حكومة لبنانية واستثناء الجيش، وذلك كوسيلة ضغط على طهران من البوابة اللبنانية، وبانتظار تبلور صيغة التفاهمات الجديدة التي تنسجها واشنطن في المنطقة.