صلّى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي امس على نية لبنان، مكرّسا اياه للعائلة المقدسة، في موقف بدا فيه فاقدا الامل من اي انقاذ يمكن ان يأتي الى البلد الصغير، على يد المنظومة الحاكمة، وذلك بعد ان صوّب على ادائها من جديد، قائلا “غريب أمر هذه الجماعة السياسية التي تحلل لنفسها مد اليد إلى أموال الشعب، وتحرم على نفسها تأليف حكومة للشعب. هل صار كل شيء ممكنا ما عدا تأليف حكومة؟ إن جميع التدابير البديلة التي تلجأ إليها السلطة هي نتيجة الامتناع عن تشكيل حكومة إنقاذ تقوم بالإصلاحات الضرورية فتأتيها المساعدات من الدول الشقيقة والصديقة ومن المؤسسات الدولية. ألفوا، أيها المسؤولون، حكومة ودعوا أموال الناس للناس”.
اللجوء الى العناية الالهية يأتي، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، بعد ان بات شبه مؤكد ان اي حلول “محلّية الصنع” للازمة الحكومية، اصبحت بعيدة المنال. واذ تكشف عن خطوة جديدة قد يقدم عليها الرئيس المكلف سعد الحريري فور عودته من الخارج، قد يكون عنوانها “زيارة عين التينة فقصر بعبدا”، مع احتمال ان يحمل تركيبة وزارية جديدة الى رئيس الجمهورية ميشال عون من 4 ستات هذه المرة، تعتبر المصادر ان اللقاء هذا، إن تمّ، لن يعني بالضرورة ان معضلة التأليف آيلة الى حلحلة، بل ربّما يكون الغرض الاوّل منه، حشرُ العهد بالتنسيق بين بري والحريري، وإظهارُه في موقع المعرقل للحلول فيما بيت الوسط يبادر من جديد، كما ان الاخير يريد ان يقول للبنانيين، انه ازاء الانهيار الاقتصادي الدراماتيكي وتحليق سعر صرف الدولار، لا يقف مكتوف الايدي…
هذا التواصل اذا، لو حصل وقد لا يحصل، من المستبعد ان يؤسس لولادة حكومية سيما وان الامور بين بعبدا والبياضة من جهة والحريري من جهة اخرى، بلغت على الارجح نقطة اللاعودة، وقد بات واضحا ان العهد لا يريد حكومةً برئاسة الحريري الا اذا كانت وفق شروطه هو (اي العهد).
بحسب المصادر، لا امكانية للخروج راهنا من حلقة الفراغ الحكومي الجهنّمية، الا من معبر واحد: ان تُنتج الاتصالات الخارجية في شأن لبنان، وتحديدا الفرنسية – الاميركية والتي انتعشت اثر زيارة وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن باريس الجمعة، حلا سياسيا للمأزق المستمر منذ 8 اشهر. وهذا الحل – والذي سيترافق على الأرجح مع عقوبات اوروبية مرتقبة واخرى فرنسية (بدأت باريس بتطبيقها) على الفاسدين في لبنان وعلى معرقلي الانفراج السياسي في آن – يقوم على الذهاب نحو حكومة انتخابات، وظيفتُها الاعداد للاستحقاق النيابي المرتقب في ايار 2022، على ان تتولى ايضا مهمّة “إدارة” الازمة الاقتصادية الخانقة ومنعها من التفاقم.
وحكومة كهذه، تضيف المصادر، ستكون مشكّلة، من رأسها الى اعضائها، من شخصيات حيادية، غير مرشّحة للانتخابات النيابية المرتقبة. اي ان الرئيس الحريري لن يكون مَن يديرها. اليوم، تجسّ عواصمُ القرار، نبض القوى السياسية اللبنانية ازاء طرح كهذا. فاذا تأمّنت موافقة العهد عليه، فإن الحريري سيذهب، في ضوء هذه “التخريجة المشرّفة” والتي لا تكسره، نحو الاعتذار لتبصر حكومة “الانتخابات” العتيدة، النور. اما اذا لم يتأمّن الضوء الاخضر الرئاسي هذا، وبقي الفريق الرئاسي يصرّ على الامساك بقرار الحكومة (خاصة لأنها ستشرف على الانتخابات)، فإن الحريري، الذي يكون برّأ صفحته امام الخارج وشارعه، قد يعتذر لتفادي تحمّل كلفة الانهيار المتدحرج، او قد يقرر الاستمرار في التكليف من دون تأليف، لاستنزاف العهد نهائيا. غير ان سلوكا كهذا سيعني استنزافَ اللبنانيين واعصابهم واموالهم ايضا، تختم المصادر…