Site icon IMLebanon

نظرة علم النفس لأنواع شخصية السياسي

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

مِن أقدم العلوم التي طبّقها الإنسان للتوصّل الى اتفاق مع أخيه خلال «عصر التحضر»: السياسة. هي من أهم العلوم التطبيقة في المنطق والعلوم الجيو-سياسية. وقد أدّت الكاريزما والـ»قرب على القلب» دوراً هاماً كي يشعر الشعب بتَفهّم السياسي له. من جهة، اهتمّ العلماء منذ القديم بالسياسة، حتى اعتبر أرسطو ولاحقاً ماكيافيلي بأنّ نتائج السياسة الصالحة هي دولة صالحة. وليكون هناك سياسة صالحة في بلد ما، يجب أن يكون أهل السياسة صالحين و»مُتّزنين». من جهة أخرى، يسعى التحليل النفسي وعلم النفس جاهداً لفهم الإنسان وطبعاً السياسي بشكل عام، وتصرفاته المنطقية وغير المنطقية. لذا، إنّ واحدة من اختصاصات علم النفس هي علم النفس السياسي الذي يفسر التصرفات والحوادث السياسية تحت المنظار النفسي. ولكن، بشكل عام، ماذا لو كان السياسي، لبلدٍ ما، «بعيداً عن القلب»؟ ولا يتمتع بكاريزما؟ فهل يمكن أن يؤثر ذلك في الأداء السياسي والاجتماعي لهذا البلد؟

في مطلع الخمسينات، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعقب تغييرات جمّة في النظرة العامة للسياسة، بدأت هذه الأخيرة تهتم بالأحزاب والكتل النيابية والرأي العام وتخدمها. وبدأ «علم السياسة» و«العلاقات الدولية» من التخصصات الأكاديمية التي ظهرت في المعاهد الجامعية. كما بدأت الكتب والمحاضرات المكثفة في جميع أنحاء العالم تبصر النور. حالياً، أصبحت السياسة الحديث المتداول بين جميع سكان العالم، حيث لا يكتفي السياسي الحَذِق بعلاقات مميزة فقط لأبناء دولته، بل يهتم بالعلاقات الدولية أيضاً، من خلال احترام القانون الدولي والسياسة والمنظمات الدولية.

علم النفس والسياسة

وتداخلت السياسة مع العديد من العلوم، منها علم الإجتماع، وخاصة علم النفس. فالإرتباط قديم جداً ما بين السياسة والاخلاق (علم النفس)، أي قبل تشكّل المفاهيم النظرية لأيّ منهما. فالسياسة تهتم بالإنسان والأخلاق (علم النفس) تهتم بسلوكيات الإنسان، وتعالج اضطراباتها. لذا، السياسة وعلم النفس يتداخلان، لفهم الإنسان واستيعابه.

وبعد تطور العلم، نشرت البحوث النفسية السياسية التي تحلل مواقف السياسيين من خلال دراسة شخصيتهم. وكان «فرويد» أول من اهتمّ بهذا الموضوع، من خلال دراسة الأساطير وكتابة مقال يحمل عنوان «أفكار لأزمنة الحرب والموت». ثم أتى «يونغ»، ليهتم بالأساطير وباللاوعي الجماعي وعلاقتهما باللاوعي الفردي. ثم بدأ البحث العلمي في علم النفس والسياسة بعد الحرب العالمية الثانية، في الولايات المتحدة الأميركية. كما بدأ الطب النفسي يحاول وضع النظم الأخلاقية للسياسة، وأهمها الإتزان النفسي للسياسي. كما اهتم علم النفس بالتكوين الشخصي للسياسي، وتحليل ما تَصبو إليه السياسة.

أنواع شخصية رجال السياسة

الشخصية هي مجموعة من التجارب القديمة والصفات النفسية والعواطف والتقاليد والعادات والعقائد والآراء والقيم والقدرات والمشاعر والسِمات التي تكوّن شخصية الإنسان، وكل إنسان لديه شخصية تميّزه عن باقي الناس.

من خلال مشاهدة السياسي عبر التلفاز، ومن خلال قراءة خطاباته على صفحات الجرائد، وطبعاً مراقبة تصرفاته الجسدية… يمكن أن تظهر بعض الفرضيات عن نوع الشخصية التي يتمتع بها. ويجب الإدراك أن شخصيات السياسي ليست بالضرورة مرضية، وهي موجودة عند كل إنسان: الشخصية القهرية، الشخصية الإنطوائية، الشخصية الإضطهادية، الشخصية الهستيرية، الشخصية النرجسية، الشخصية المتفائلة، الشخصية المتحاشية، الشخصية الاعتمادية، الشخصية الإيجابية، كما هناك شخصيات أخرى كالشخصية الانهزامية، أو الشخصية الوسواسية وحتى الشخصية الاكتئابية.

السياسي… «القريب على القلب» والسياسي… «ثقيل الدم»

طبعاً، يجب أن يكون السياسي شخصاً موضوعياً «علمياً» ودقيقاً… لكنّ التكوين النفسي للسياسي وطريقة كلامه وحتى صوته وتصرفاته ونظراته… كلها تجعل منه شخصاً غير مرغوب به، وهذا ما يمكن التعبير عنه بعبارة «بعيد عن القلب» أو «ثقيل الدم».

فلعبة السياسة وشخصية السياسي تتداخلان في مشاعر الإنسان ويكوّن نحوهما مشاعر مضادة أو إيجابية. لا يمكن للإنسان أن يلغي «مشاعره». فمثلاً، عندما نشاهد نشرات الأخبار، نستمع الى بعض السياسيين بالرغم عنّا، لأنّ شخصيتهم و»الكاريزما» التي يتمتعون بها، تفرض علينا الإصغاء والتمعن بحديثهم الشيق. وطبعاً منطقهم وتسلسل أفكارهم و»ابتسامتهم» من وقت لآخر تضيف رونقاً «قريباً على القلب» للبناني الذي ينتظر من هذا السياسي… حلاً لمشاكله.

والعكس صحيح، فكم من السياسيين، بالرغم من «منطق» حديثهم، لا يمكن تحمّلهم أكثر من عدو ثوان على التلفاز بسبب طريقة كلامهم و»ثقل دمهم». فهذه الكاريزما يجب أن يتمتع بها كل سياسي لكي يكون محبوباً من الجميع وليس فقط من طرف واحد.

شخصية السياسي أساسية

ولكي يكون السياسي سياسياً ناجحاً، لا تكفي شهاداته الجامعية، بالرغم من أنها مهمة وأساسية للعمل السياسي، ولكن المصداقية واحترام الآخر، والتمتع بإلقاء جميل مع صوت واضح ومعرفة اختيار الكلمات المناسبة والقريبة من الشعب لا الكلمات الصعبة الغريبة في خطاباته السياسية… كلها أساسية في المعترك السياسي. كما يلعب الترابط الاجتماعي والعامل السياسي والانتماء الديني دوراً في تقبّل هذا السياسي أو ذاك.

فالسياسي المتفائل يجذب الشخصية الإيجابية والمتفائلة التي تنظر إلى الحياة من منظور متّزن وهادىء. والسياسي المبتسم، والذي يتميّز بالرصانة والهدوء، يجذب بسهولة الشعب الذي يشبهه، ولكن طبعاً هذه ليست قاعدة عامة. فنجد بعض السياسيين ذات الشخصية المتحاشية، حيث يهربون من مواجهة الناس ولا يحبون الترحيب ولا الإنتقاد خوفاً من المحاسبة أو التجريح… لديهم أيضاً الذين يؤيدونهم ويدافعون عنهم وعن سياساتهم. وعادة هذه الفئة من السياسيين بحاجة دائمة للدعم وحب الآخر كما تتمتع بشخصية اعتمادية غير قادرة على اتخاذ أي قرار من دون مساعدة الآخر.

وتؤثر شخصية السياسي الإيجابية في علاقاته السياسية، وتجعله سياسياً ناجحاً يحقق بسهولة عمله ومسؤولياته. وهو عادة شخص يحترم القانون ويتقبّل التوجيهات والنصائح.

كما نجد العديد من السياسيين يتمتعون بشخصية صريحة، وهي من أهم الصفات لنجاح السياسي الذي يعبّر عن وجهة نظره بشكل واضح وسليم بعيداً عن سياسات «تحت الطاولة» والمؤامرات. فضلاً عن السياسي الكتوم، الذي لا يتحدث كثيراً، بل يستمع للآخرين ولحاجياتهم. ويسعى هذا السياسي لأن يستوعب كل الافكار. كما هناك السياسي «غير الناضج» الذي يتسرّع في اتخاذ قراراته من دون درسها بشكل مسؤول، أو يتكلم عن مشاكل الشعب من دون ذكر طريقة معالجتها.