IMLebanon

المهنة الجديدة “عطيني سيارتك وأنا بنطر عنك”

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

لا صوت يعلو فوق صوت الأزمات والفقر والاحتكار في النبطية. فمع اشتداد الازمة المعيشية على المواطن، بات البحث عن كرتونة الاعاشة هدفاً لمعظم المواطنين، تماماً كما البحث عن تنكة البنزين، والحصول عليها يتطلّب مؤازرة لعناصر أمن الدولة الذين يواصلون دهم المحطات وفتح مخزونها، اذ جرى فتح عدة محطات بين سيناي وانصار ودير الزهراني وفك الشمع الاحمر عن محطة جرجوع التي تمنّعت بداية عن فتح خزّانها ثم رضخت. ووِفق المعلومات فإن حملة أمن الدولة مستمرة طالما هناك من يتلاعب بازمة البنزين ويحتكر الاسعار، سيما وان بعضهم سجّل سعر التنكة لديه 85 الف ليرة “ومش عاجبك ما تعبّي”، مستغلين حاجة الناس للبنزين وغيره من المواد الاساسية، ووفق ابراهيم “مش كافينا غلاء اسعار السلع 200 بالمئة حتى نضطر لشراء كل شيء بالسوق السوداء، فمن شرّع هذا السوق؟ ولصالح من؟ هل يريدون شراءنا بكرتونة اعاشة تكون مفتاح الدخول للانتخابات المقبلة؟”.

يبدو ان كرتونة الاعاشة ستكون “مقدّسة” هذه الايام، فالحاجة تشرّع كل شيء، وبحسب فاطمة “إنه زمن الذلّ لكرتونة الاعاشة… زمن أصدق ما يمكن وصفه “شراء المواطن بحصة غذائية”.

تحاول ملكة الحصول على اعاشة غير أن كل طرف يحيلها على الطرف الآخر، وغير المحزّب “طالعة براسو”، فلا يطاله لا بلح الاعاشة ولا تمر غالون بنزين، فكل شيء يباع ويوزع بالواسطة والمحسوبيات. والخطر الذي يشغل بال ملكة “ان تكون البطاقة التمويلية المنتظرة محزّبة ايضاً”.

في عصر الأزمات، المواطن بات همّه البحث عن “وين في توزيع اعاشات”، فالأزمة التي تضرب الوطن ليست سهلة، لم يمرّ مثيل لها سابقاً، فتحولت كرتونة الاعاشة هدفاً لكثير من الناس وتحديداً لعدد من موظفي الادارات الرسمية، ممّن يلهثون خلف الاعاشات لان معاشاتهم باتت بلا قيمة. وعادة ما يؤدّي الحصول على كرتونة وحرمان آخر منها الى حصول اشتباكات كلامية ومشادات، لأن السكر والرز باتا أغلى من الكرامة، يقول أحدهم لافتاً الى “أن البحث عن الاعاشات ارتفع مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وفقدان المواطن القدرة على شراء حتى كيلو اللوبياء التي تجاوز سعره الـ18 الف ليرة لبنانية”، مؤكدا “أننا دخلنا زمن الاعاشات وهو زمن الذل بإمتياز على حدّ قوله، لان المواطن يفضّل الصدقة على أن ينتفض، فهو ارتضى الإحجام عن أكل اللحوم التي سجلت ارتفاعاً جنونياً تجاوز سعر الكيلو الـ170 الفاً، ومتّجها نحو الارتفاع أكثر، ومقاطعته للدجاج لأنّ اسعاره تخطّت قدرته الشرائية، حتى الخضار أيضا، ويلهث خلف الاعاشة بل ويشعر بالنشوة “حصلت على حصة اعاشة” .

لم يسبق لمدينة النبطية أن واجهت أزمة اقتصادية مماثلة، عادة ما كانت تعتمد على الزراعة والمونة البلدية التي تشتهر بها ربّات المنازل، لكن في السنوات الاخيرة، تخلّى الكل عن الزراعة لصالح البلوكات الاسمنتية، والمونة لصالح المواد المعلبة .

بين سندان الفقر ومطرقة فقدان البنزين والمواد الغذائية والدواء يقف المواطن، مستجدياً مساعدة من هنا وحصة غذائية من المواد المدعومة التي حرم منها من هناك، محققاً بذلك “غول” في مرمى العوز التي قذفته اليه “سلطة عاهرة” كما قال أبو حسين، الرجل الستيني الذي اضطر للانتظار 6 ساعات ليحصل على البنزين لسيارته التاكسي، “ما شفنا هيك ذل ّبعد، نحن شعب الكرامة هيك عم ننذل”.

على طول خط البنزين الذي لا ينتهي بإتجاه المحطة الوحيدة التي فتحت في النبطية، فيما اقفلت باقي المحطات بإنتظار التسعيرة الجديدة، وجوه عابسة، ووجوه غاضبة، معظم المنتظرين من أصحاب المهنة الجديدة “عطيني سيارتك وانا بنطر عنك”، اذ دخلت مهنة جديدة أفرزتها أزمة المحروقات “ما تعتل هم نحن مننطر عنك”، شبان من مختلف الاعمار باتوا يشتغلون في مهنة الانتظار في طابور الذلّ لقاء بدل مالي يتراوح بين الـ30 و50 الف ليرة، اذ يفضل كثر أن ينتظر غيرهم عنهم، لأن أعصابهم ” تلفت” على حسب ما يقولون، ويجزم كثر ممن امتهنوا هذه الوظيفة الظرفية أن الانتظار الطويل يضرّ بالصحة، غير أنهم يبتكرون حلولاً لذلك، فهم يعتمدون نظام “حجز الادوار” قبل نهار ويشكّلون حلقة مترابطة في ما بينهم، بحيث من الصعب اختراق خطهم، عادة ما يتواصلون مع اصحاب المحطات لمعرفة توقيت بدء تعبئة البنزين، وهو ما يسهّل عليهم المهمة. وفق عادل “نحجز دوراً قبل ساعتين، نترك السيارة ونعود مع بدء عملية تعبئة البنزين”، ويضيف “من الصعب الانتظار لساعات ولكن لقمة العيش مرّة، فنحن في قلب المعركة، كل شيء حولنا مفقود”. دخل عادل في قلب هذه المهنة بعدما فقد كل فرص ايجاد عمل في لبنان، فهو خسر عمله مع بداية “كورونا”، يؤكد أن “مصائب قوم عند قوم فوائد، ويعتبر أن عمله المستحدث “آني ينتهي بمجرّد الخروج من الازمة”، لكنه يرى أنه يسهم في تأمين أدنى متطلباته الحياتية، ويضحك بسرّه “عدنا الى زمن المجدرة وكبة حيلة والبندورة”، ارخص الاكلات التي يمكن تناولها، وعدا عن ذلك فكلّه محرّم على الفقير، فإلى أين ستأخذ الأزمات المواطن بعد؟