كتبت بولا أسطيح في صحيفة الشرق الأوسط:
ضربت الأزمة المالية مؤسسات الدولة اللبنانية، إذ وصلت تداعياتها إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة حتى خلال الحرب الأهلية، كما يؤكد الخبراء، مع تعذر إنجاز معاملات المواطنين من قبل الإدارات والمؤسسات العامة إما نتيجة انقطاع الكهرباء وإما لعدم توافر الحبر والأوراق.
فبعدما توقف العمل في وزارة الخارجية الأسبوع الماضي بسبب انقطاعها من مادة المازوت لتشغيل المولدات نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، أفيد أمس (الاثنين) بأن صناديق الجمارك في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت توقفت عن قبض الرسوم بسبب عدم توافر الأوراق والمحابر، ما يفترض أن يؤدي إلى مشكلة في حركة الشحن.
وتزامن ذلك مع توقف كل المعاملات في مركز الأمن العام في منطقة السوديكو في بيروت بسبب انقطاع الكهرباء وتعطل المولدات الكهربائية، كما مع توقف أنظمة أجهزة الكمبيوتر التابعة لوزارة المالية في قصر عدل بيروت ما تسبب بوقف كل معاملات استيفاء الرسوم.
وبحسب وكالة «أخبار اليوم»، حتى الأحكام القضائية لم تسلم من الأزمة وشحّ الأموال باعتبار أن إحدى المرجعيات تلقت رسالة جوابية رداً على مراجعتها حول دعوى كانت قد رفعها أمام مجلس شورى الدولة مفادها: «القرار النهائي صدر ولكنه لم يرسل إلى التبليغ بسبب عدم توافر الورق في قلم مجلس شورى الدولة».
ولعل الأخطر ما أعلنه مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي الدكتور فراس أبيض عن اتخاذهم قراراً بإيقاف أجهزة التكييف في المستشفى ما عدا الأقسام الطبية رغم موجة الحر الشديد التي تضرب لبنان، قائلاً: «انقطاع الكهرباء لأكثر من 21 ساعة في اليوم. الفيول غير متوافر، وإذا توافر، فسنعاني مشاكل سيولة. المرضى لا يستطيعون تغطية الفروقات. لا داعي لاستعمال المخيلة أو للتهويل، نحن في جهنم حقاً».
ويؤشر كل ما سبق بحسب مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، وأستاذ الاقتصاد في الجامعة «اللبنانية – الأميركية» الدكتور خليل جبارة إلى «تداعي الدولة وتحللها».
ويعتبر نادر أن «تلاشي المقومات الاقتصادية هو مدخل لسقوط الدولة وصولاً للتقسيم كما هو حاصل في سوريا وإلى حد كبير في العراق»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «عندما تتوقف الخدمات العامة الأساسية، كما إمكانية إنجاز المعاملات الإدارية، كذلك عندما تستنفر دول أوروبا لإغاثة الجيش والقوى الأمنية باعتبارها آخر ما تبقى وسقوطها يضر مباشرة بالداخل الأوروبي، فكل ذلك يؤشر إلى مخاطر جمة تتهدد مصير ووجود لبنان».
من جهته، يؤكد جبارة أن «ما نشهده من تعطيل كل الأجهزة والمؤسسات العامة لم نشهده حتى في عز الحرب الأهلية بحيث بقيت بوقتها الإدارة العامة تنتج وتؤمن الأوراق الثبوتية والمعاملات للمواطنين رغم كل الانقسامات والتقسيمات ووجود الميليشيات»، موضحاً أن «ما نعيشه أبعد من التحلل فالحكومة أعدت موازنة على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد وهي تصرف على أساسها علماً بأن الليرة فقدت نحو 100 في المائة من قيمتها وبات سعر الدولار نحو 18 ألف ليرة لبنانية… هل تتبع الحكومة سياسة النعامة بحيث تدفن رأسها في الرمال وتصور نفسها غير معنية بمعالجة ما تعتبره تفاصيل كتأمين الأوراق للمؤسسات الرسمية والحبر وغيرها من المواد الأساسية للاستمرار؟ حتى أن مواقف وبيانات رئيس الحكومة والوزراء توحي بأنهم ناشطون في المجتمع المدني وليسوا في موقع مسؤولية علماً بأنهم ما زالوا يتقاضون رواتبهم كالمعتاد وهذا كله غير مقبول».
ويقول جبارة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «البلد أشبه بمريض سرطان في مراحله الأخيرة بحيث تتم حصراً معالجة الآثار الجانبية لمرضه وهو ما يقوم به حالياً المواطنون بأنفسهم والجمعيات والمنظمات الخيرية والأحزاب ما يعني عملياً دخولنا في دوامة ضرب مشروعية الدولة وما تبقى من رموزها».
ويشهد لبنان منذ عام 2019 أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، وشحّاً في السيولة بالدولار وتدهوراً قياسياً في قيمة العملة الوطنية ما أدى لانهيار معظم القطاعات واعتبار مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت أن «خطر سقوط لبنان في مرتبة الدول الفاشلة بات واقعاً، بعد تراجعه 36 مركزاً على مدى خمس سنوات، ليصبح ترتيبه في عام 2021 بين الدول الـ34 الأكثر فشلاً من أصل 179 دولة».