كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
تكبر الهواجس الأمنية مع تسارع وتيرة الانهيار الذي يهدّد بفوضى اجتماعية عارمة قد لا تُبقي ولا تذر. والخطير انّ كرة النار تتدحرج في كل الاتجاهات، من غير ان تجد بعد من يطفئها، بل هناك من ذهب في مغامرته الى حدّ جمع البنزين والنار في حيز واحد!
لعلّ الحوادث المتلاحقة في أماكن عدة، تحت تأثير ضغط المعاناة الاجتماعية، ليست حتى الآن سوى «بروفة» او توطئة للآتي الأعظم، ما لم يتمّ تحصين الارض بأحزمة أمان، في مواجهة أحزمة البؤس التي باتت تزنر البلد من أقصاه الى أقصاه.
والغريب، انّ جرس الانذار لم يُسمع بعد في «جُزر» السياسيين المفصولة عن الواقع والحقائق، حيث يستعر النزاع على وزيرين هجينين، بينما يلهث اللبنانيون في الشارع وراء فتات لقمة العيش.
وليس خافياً انّ حالة انعدام الوزن هذه تشكّل بيئة حاضنة للعنف الاجتماعي، وجاذبة لأصحاب الأجندات الخاصة الذين قد يتلطّون وراء الفقراء لإحداث فتنة أهلية هنا أو لتصفية حساب هناك.
وضمن هذا السياق، وصلت إلى شخصية سياسية بارزة معلومات موثقة، تفيد بأنّ هناك من دخل اخيراً على خط الاحتجاجات الشعبية في إحدى المناطق الفقيرة، ودفع لبعض الشبان ما بين 20 و 100 الف ليرة لبنانية فقط (للشخص الواحد) من أجل إفتعال أعمال شغب، ما يؤشر بوضوح الى انّه كلما ازداد الفقر يصبح تمويل الشغب اقل كلفة وأكثر سهولة.
ويقول وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي لـ«الجمهورية»، انّ الوضع الحالي لم يعد يتحمّل مزيداً من الترقيع، مشدّداً على أنّ مفتاح الحلول للأزمات الحالية هو تشكيل حكومة جديدة «وما عدا ذلك لف ودوران».
وينبّه الى انّ الأمن الاجتماعي بات عرضة لضغوط شديدة تحت وطأة الانهيار المتدرج، «ونحن نفعل كل ما في وسعنا حتى يظل ممسوكاً، وقد نجحنا في ذلك حتى الآن، لكن العلاج الحقيقي والثابت سياسي وليس أمنياً، من خلال التوافق على تشكيل الحكومة امس قبل اليوم».
ويحذّر من انّ راتب العنصر في قوى الأمن الداخلي أصبح يعادل 60 دولاراً فقط، لافتا الى انه باشر تسهيل خدمة العناصر في إطار التحسس بواقعهم الصعب».
ويشدّد فهمي على أنّ رفع الدعم نهائياً وكلياً يجب أن يكون مرفقاً بإجراءات احتوائية من قبيل اعتماد البطاقة التمويلية وتصحيح الرواتب، «والّا فإنّ خللاً كبيراً سيحدث وسيترك تداعيات سلبية على الأرض».
ويؤكّد فهمي انّ الأمن الكلاسيكي مضبوط، سواء على الحدود او في الداخل، ولست قلقاً من هذه الناحية، «اما الأمن الاجتماعي فهو مشرّع على كل الاحتمالات وسط الظروف الحالية»، مشيراً الى انّ من مسؤولية الدولة برمتها، وليس وزارة الداخلية حصراً، ان تمنع سقوطه.
ويلفت فهمي الى انّ الأمن الاجتماعي دقيق جداً، ولا تجوز المخاطرة به، معتبراً انّ «الجيش الأميركي بقوته المعروفة لا يستطيع ضبطه اذا انهار وأفلت من السيطرة، فكيف بنا نحن؟». ويضيف: «لذا، علينا السعي بكل طاقتنا الى الحؤول دون انفجاره عبر المعالجة السياسية والاقتصادية الحكيمة».
وفي ما خصّ «أمن الليرة» الذي بات في مهبّ رياح الدولار، يكشف فهمي انّه تمّ إقفال بعض المنصّات السوداء التي تتلاعب بالدولار، «لكن هناك منصّات أخرى في الخارج لا نستطيع وقفها، نتيجة افتقارنا الى القدرة التقنية في هذا المجال، ووحدها الولايات المتحدة لديها الإمكانية التقنية لإقفال اي منصّة في العالم»، موضحاً انّ النيابة العامة التمييزية ارسلت كتاباً الى السفارة الأميركية في بيروت تطلب فيه المساعدة على هذا الصعيد.