كتب منير الربيع في “المدن”:
بعيد سمير جعجع عن بيروت والمناطق الأخرى جغرافياً. لكنه في قلب أحداثها. يتابع التطورات بأدق تفاصيلها: الزحمة الخانقة المنتقلة من الطرقات إلى محطات المحروقات. تداعي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمالية. شكاوى الناس وحوادثها في الأحياء والقرى.. وهو بذلك ينفي ابتعاده عن قلب البلد أو اهتمامات الناس، بينما آخرون وإن أظهروا قرباً جغرافياً أو كانوا على تماس مع الأحداث فإنهم خارجها، أو أنهم يقيمون في عوالمهم الخاص، لا ينظرون إلى البلد إلا من منظور المصلحة الخاصة أو الحسابات الضيقة. يعتبرون أن الكون وأحداثه تدور من حول خصورهم، أو أن الحلول لا تمرّ إلا عبرهم، إما بتشكيل الحكومة وما يريدون فرضه، أو حتى بتفكير تدميري خاطئ يقوم على مبدأ الاستثمار بهذا الخراب، لعلّه يرتد إيجاباً على مصلحتهم. هو أيضاً يغرق في الحسابات على الصعيد الانتخابي. كل تركيزه على الانتخابات. الصراع على الحكومة أو تشكيلها لن يؤدي إلى أي حلّ، لقد تجاوز الزمن الأزمة الحكومية، وفق قناعته.
الانتخابات والعقوبات
يؤكّد جعجع إلى حد كبير أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها، ولا يمكن لأحد أن يؤخرها. ومن يطرح فكرة التأجيل أو يماشيها ستفرض عليه عقوبات أميركية وأوروبية قاسية. نسأله، ولكن لطالما هدد الفرنسيون والأميركيون بعقوبات لم تؤد إلى أي تغيير جذري؟ هنا ينتفض جعجع قائلاً: “كيف لا تؤثر العقوبات، فقد فرض الأميركيون عقوبات على باسيل فتلقى ضربة قاسية، لن يكون من السهل عليه القيام منها. أما العقوبات على علي حسن خليل ويوسف فنيانوسف كانت رسائل قاسية موجهة بشكل واضح إلى نبيه برّي وسليمان فرنجية، لا مجال للتلاعب هنا”.
يفضّل جعجع الذهاب إلى الانتخابات المبكرة. هي برأيه، وحدها بوابة الخلاص وإن معنوياً، لو يتم الآن الإعلان عن موعد للانتخابات المبكرة. ونحن قادرون على إجرائها خلال شهرين لا أكثر. والإعلان فوراً عن انتخابات مبكرة سيكون أول انعكاس إيجابي له هو انخفاض في سعر صرف الدولار بنسبة جيدة جداً، لأن ذلك سيوحي بوجود أمل أو باب ضوء. كما أنه بمجرد الحديث عن الانتخابات وتحديد موعد لإجراءها سيُدخل إلى لبنان عشرات ملايين الدولارات. وهذه بحد ذاتها ستؤدي إلى توفر العملة الأجنبية. إذاً، هذان سببان كافيان لإجراء الإنتخابات المبكرة”.
الحريري و”المشروع”
يبدو رئيس حزب القوات اللبنانية مطمئناً وفي غاية الثقة بما ستعكسه تلك الانتخابات: “ستخرج القوات اللبنانية صاحبة الكتلة المسيحية الأكبر. هذا الأمر يرتبط بالتحالفات وكيفية نسجها وصياغتها. أما التيار الوطني الحرّ فسيتراجع بنسبة كبيرة. أولاً، لن يكون إلى جانبه الكثير من المرشحين من خارج التيار. وثانياً، قدرته على الإقناع لم تعد متوفرة، خصوصاً أن الناس أصبحت ترى بأم عينها إلى أين أوصلت هذه السياسات. هكذا انتخابات ستكرس القوات اللبنانية الحزب المسيحي الأكبر”.
لا وضوح لديه حتى الآن حول كيف ستكون التحالفات الانتخابية. مسيحياً، يبدو مطمئناً إلى حدّ بعيد، لكنه ينظر باهتمام بالغ إلى الساحة السنّية، في ظل توتر العلاقة مع الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل: “جزء كبير من جمهور المستقبل أو البيئة السنّية يؤيد طروحات القوات السياسية، لكنه يلتزم بتيار المستقبل. ومن غير المعروف كيف ستسير العلاقة مع الحريري”.
لا يهتم بعملية تشكيل الحكومة: “نتائج الفشل واضحة منذ الآن، ولا أحد في الخارج يبدي اهتماماً بلبنان. ثم كيف سيهتم الخارج بنا، ونحن لا نمتلك أي مشروع أو رؤية؟ نحن بأمسّ الحاجة إلى مشروع يشبه مرحلة 14 آذار، يمكن لدول الخارج أن تتلقفه وتدعمه. أما في حالة التشرذم والخلافات فسنبقى متروكين، ولا طرف خارجياً سيدعم حزباً وحيداً. بينما لو ننجح في بلورة تحالف مع السنّة والدروز والشيعة الأحرار، حينها يمكننا تسكير البلد انتخابياً وسياسياً، ونستعيد زمام المبادرة”.
المرشح لرئاسة الجمهورية
نتائج الانتخابات كما يراها، ستفرضه مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، لكنه يقول: “أنا أقرأ بواقعية، وأعلم أنه لا يمكن لأي من هذه الأطراف أن يتفق معي. فلا يمكن القيام بأي ممارسة من الممارسات التي تقوم بها القوى السياسية راهناً لو أنا في موقع رئاسة الجمهورية. هذه القوى تشبه بعضها بعضاً، ولذلك تُنسج التفاهمات سريعاً فيما بينها، حتى وإن حصلت خلافات كبيرة. نحن عقدنا تفاهماً مع التيار الوطني الحرّ قبل تيار المستقبل. ولكن العلاقة تدهورت سريعاً لأنه لا يمكننا التفاهم على الآليات التي يعملون بها، بينما تطورت العلاقة سريعاً بين التيار الوطني الحرّ والمستقبل على الرغم من الخصومة التاريخية والكبيرة”.
ماذا عن الإنتخابات الرئاسية المقبلة؟ وهل يمكن أن يفرض حزب الله باسيل مرشحاً أساسياً ويأتي به رئيساً للجمهورية؟ ينفي جعجع ذلك. ويقول: “لقد تجاوزا هذا الموضوع. ولا يمكن له أن يحصل. حزب الله يريد باسيل لاستخدامه ضد الآخرين، وضدنا بالتحديد، وسيدعمه في الانتخابات النيابية بمناطق عديدة، كجزين وجبيل وغيرها لتوفير نجاح نوابه. لكن هذا سيكون الدعم بحده الأقصى ليبقى مواجهاً للقوات”.
إيران والأسد
لا ينسى رئيس حزب القوات من مراقبة التطورات الإقليمية والدولية، فيعتبر أنه بالحدّ الأدنى ستكون السنوات المقبلة أفضل، حتى وإن تم توقيع اتفاق نووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، لأن واشنطن تصرّ بكل قوة على البحث في ملف الصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي، الذي لا يمكن أن يبقى على حاله، وسيتم تحجيمه عاجلاً أم آجلاً. والإدارة الأميركية واضحة في هذا المجال، بخلاف ما كان الوضع عليه أيام أوباما. حينها كان الأميركيون يقولون لنا إن الاتفاق محصور بالشق التقني النووي، أما في هذه المرحلة فالوضع مختلف.
كذلك، يستهزء بكل الكلام الذي يقال عن إعادة تطبيع العلاقات مع بشار الأسد. ويقول إن هذا الأمر هو أضغاث أحلام. ويسخر من الكلام عن عودة النظام السوري إلى لبنان، “فحتى العرب الذي يريدون عودة الأسد إلى الجامعة العربية يضعون شرطاً أساسياً هو الخروج من إيران، أو إخراج إيران من سوريا. وهو لن يكون قادراً على ذلك. لا يمكن للأسد أن يكون صاحب مستقبل في سوريا، هناك أسباب سياسية وأسباب أخلاقية، والموقف الأميركي ممتاز وواضح في هذا المجال، وهو عدم الإعتراف به أو بشرعيته، والإلتزام بالقرار 2254، أي الانتقال السياسي”.