كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
حتى ليلة الثلثاء لم يكن معلوماً بعد موعد عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى لبنان، فاستمر الغموض محيطاً بالحكومة ومصير رئيسها المكلف. وعلى وقع تحذير الهيئات الاقتصادية من ان الاوضاع مرشحة لمزيد من الانهيار، والاحتجاجات المتنقلة وتسكير الطرقات، سجل غياب تام لأي تحرك يُعتدّ به على مستوى تشكيل الحكومة. وحده المجلس الاعلى للدفاع يظهر في اوقات الشدة بدلاً عن ضائع في قرارات وتحذيرات ومهام لا تقي البلاد من الاسوأ. كأن العرف تكرس فبات المجلس الاعلى يعقد في محاولة لتغطية الغياب الحكومي.
وفي مثل هذه الليالي الظلماء يفتقد أثر الرئيس المكلف الذي لم يسجل له حتى يوم الثلثاء حسّ او خبر. منذ ايام غادر الرئيس سعد الحريري لبنان متوجهاً الى الامارات، ثم اعلن عن زيارته الى تركيا قبل زيارة محتملة الى مصر لشد العصب السني حوله قبل حسم مصير تكليفه المتوقع قريباً.
يمضي الحريري أيامه حائراً بين اعتذار هو أقرب اليه وإصرار على التكليف بحكم القوى. عندما فكر الحريري بترشيح نفسه لرئاسة الحكومة لم يخطر له ان يغدو رئيساً مكلفاً مكبّلاً، ومطوّقاً بحسابات كثيرة لأطراف متعددة. فالحريري الذي بلغ التكليف بإرادته حين قرر العودة الى رئاسة الحكومة انما اراد العودة الى خريطة السياسة المحلية بقوة، لينطلق منها فارضاً نفسه كرئيس لحكومة لبنان امام الرأي العام الخارجي. سمع النصائح ونال وعوداً تلو أخرى، تبنّته فرنسا دولياً ومصر عربياً وكان له عرابه الداخلي رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله” ضمناً.
تسعة اشهر والحريري رئيساً مكلفاً غير قادر على التأليف، لأسباب وعوامل خارجية وداخلية، لكن الاخطر بنظر مصادر سياسية مقربة ان الرئيس الذي اعتقد انه سيضع خصومه رهن قراراته تحول الى رهينة على اكثر من جبهة سياسية. يقع الحريري رهينة فرنسا التي لم تكمل مسار دعمه رئيساً للحكومة الى نهايته، ورهينة رؤساء الحكومات السابقين الذين يرفضون اعتذاره استكمالاً لخوض حرب الصلاحيات بينه ورئيس الجمهورية، ومن هنا فهو يقع ايضاً رهينة المعادلة السنية، كما يقع رهينة بري الذي لا يريد له ان يعتذر الا بتوقيت متفق عليه، وبعد ان يستنفد الطرفان حربهما في مواجهة رئيس الجمهورية. وليس حاله افضل مع “حزب الله” الذي يرفض اعتذاره لكنه يبدو عاجزاً عن ازالة المطبات تسهيلاً لمهمته.
ترى المصادر ان الحريري وبفضل حلفائه ومؤيديه وليس بفضل خصومه بات وضعه صعباً وعاجزاً عن التقدم خطوة الى الأمام او حتى العودة الى الخلف. لا هو قادر على الاعتذار ولا على تشكيل حكومة وعذره انه ينتظر جواب رئيس الجمهورية على مبادرة بري. تلك المبادرة المستمرة بشق النفس والمجمدة عملياً.
كأن عودة الحريري الى البلاد تحرجه قبل غيره وتضعه امام حتمية التحرك سلباً او ايجاباً لبت مصير تكليفه وهي خطوة لم تعد ملك قراره منفرداً، بعدما ألبس عباءة دار الفتوى وتحول الى رأس الحربة في المواجهة مع رئيس الجمهورية في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة.
منذ تكليفه ومع بروز اولى العقبات في وجه تشكيل حكومته اعتمد الحريري سياسة السفر في محاولة لتقطيع الوقت. وفي كل مرة كانت تزداد مهمته صعوبة، كان يجنح صوب الاعتذار ويجد من يقوي عزيمته ويثنيه، لكن السؤال الى متى يمكن للحريري ان يستمر في تجنيب نفسه تجرع الكأس المرة؟ وهل تكون عودته هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، بحيث يغدو فعلاً على قاب قوسين او ادنى من الاعتذار او انه سيستأنف تحركه فيزور بعبدا مجدداً، وهذا مستبعد حتى الساعة؟
ثمة من يتجاوز المشهد المحلي ويحاول التقاط اشارات الحكومة ومصير رئيسها المكلف، من اجتماع جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على هامش اجتماع وزراء الخارجية والتنمية لدول مجموعة العشرين في مدينة ماتيرا الإيطالية، وامكانية ان يخرج بقرارات متعلقة بلبنان وحكومته متوقع ان تندرج في سياق تصعيدي، بدليل ما جاء في تغريدة كتبها بلينكن على تويتر تتحدث عن: “ضرورة أن يُظهر القادة السياسيون في لبنان قيادتهم الحقيقية من خلال تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوفير الإغاثة التي يحتاجها الشعب اللبناني بشدة”.
والى ان يتضح فحوى الاجتماع وما خرج به وزراء الخارجية فان المعلومات تفيد ان الحريري في صدد التحضير لاطلالة تلفزيونية قريبة، سيعلن خلالها اموراً عدة تتعلق بعراقيل تشكيله للحكومة ومصير تكليفه، وحتى ذلك الحين يستمر في جولته في محاولة لشد العصب السني عربياً وتركياً حوله.