كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
لم يعد يفصل لبنان عن الوصول إلى قعر الهاوية سوى مساحة قصيرة جداً، وأن الانهيار الذي كنا نتخوف من إمكانية حدوثه بات أمراً واقعاً ولو بشكل تدريجي وبدايته هي المس بالمال الاحتياطي الذي لم تمتد إليه يد مصرف لبنان في أحلك الأيام التي مرّ بها لبنان إن خلال الحرب الداخلية التي عصفت به على مدى سنوات، أو خلال مراحل العدوان الإسرائيلي الذي تعرض له لبنان لأكثر من مرّة.
ومهما حاول من يعتبرون أنفسهم في موقع القرار اتخاذ الخطوات «الترقيعية» لتأخير سقوط الهيكل، فانه على ما يبدو ما كتب قد كتب، وان ما يتخذ من قرارات «أليمة» ما هي الا مجرّد حقن مهدئة لا تسمن ولا تغني من جوع.
والعجب كل العجب كيف لا يخرج من هو في سدة المسؤولية أيا كان ويصارح الشعب اللبناني بحقيقة ما يحصل وما يُمكن أن يحصل مع قابل الأيام، وبدل ذلك فإن غالبية هؤلاء يتصرفون وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، ويحاولون الهاء المحيطين بهم بتقديم المساعدة التي لا تتعدّى الحصة الغذائية أو ثمن دواء، أو وعد «عرقوبي» بتأمين فرص عمل مفقودة، بدلاً من الذهاب إلى أصل المشكلة والعمل على حلها بأسرع مايمكن علّ ذلك يُخفّف من معاناة الشعب اللبناني الذي لم تعد له من قدرة على تحمل المعاناة التي يرتفع منسوبها يوماً بعد يوم، والمتأتية من الضغوطات التي تمارسها بعض الدول الخارجية على لبنان، وتماهي بعض المجموعات الداخلية مع هذه الضغوط، البعض منها عن قصد طلباً لتحقيق مكاسب، والبعض الآخر عن غير قصد، وهؤلاء يستغلون ما يجري لتكديس ثرواتهم وتحقيق أرباح خيالية في مرحلة ينظرون إليها على انها فرصة قد لا تتكرر من دون الالتفات إلى الوضع الكارثي الذي وصل إليه لبنان نتيجة هذه السياسات الاحتكارية والجشع لدى بعض التجار الفجار.
ان المشهد اللبناني بكل أشكاله السياسية والمعيشية والنقدية يُؤكّد ان مطلب قيام حكومة إنقاذية في وقت قريب بات شبه مستحيل، لا بل أصبح أقرب إلى حلم قد لا يتحقق في ظل «العصفورية» في الداخل، والصراع الذي يشتد في الخارج في إطار معارك تحسين الشروط قبل نضوج التسوية في المطابخ الدولية. ودلالة على ما تقدّم، فان التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الاميركي أنطوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان قد عبّرت بشكل واضح عن قلق هاتين الدولتين اللتين تعطيا الملف اللبناني جانباً من اهتمامهما، وقد وصل التعبير عن القلق إلى حدّ تحذير الوزيرين خلال مؤتمر صحافي مشترك من «زوال» لبنان وإن كانا قد ألمحا إلى إمكانية العمل معاً للوصول إلى اتخاذ قرارات سريعة تحد من اندفاعة لبنان السريعة باتجاه المجهول، وكان لافتاًً ما قاله الوزير لودريان عن اتخاذ خطوات ضاغطة على المسؤولين عن التعطيل، واشارته إلى معرفة هؤلاء بالأسماء.
وبالرغم من التحذيرات التي قالها الوزيران حيال الوضع اللبناني الذي تمت مقاربته بشكل دقيق، فان الاجتماع بينهما لم يخرج بأي اجراء ملموس يُمكن الاستفادة منه وتوظيفه في عملية تأليف الحكومة، لا بل ان ما رشح من معلومات عن هذا الاجتماع لم يكن مشجعاً حيث ان الجانب الأميركي لم يبد أي رغبة في الدخول في تفاصيل الواقع اللبناني وعلى وجه الخصوص الأزمة الحكومية، كما انه لم يطرح أي أفكار محددة لإخراج لبنان من أزماته، وأن جَل ما حصل انه تمّ التوافق على عقد اجتماع آخر خلال زيارة يرتقب ان يقوم بها وزير خارجية فرنسا إلى واشنطن في النصف الثاني من تموز المقبل، كما ان الوضع اللبناني سيكون حاضراً وبفعالية على طاولة البحث في الولايات المتحدة أيضاً بين الرئيس جو بايدن، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وبانتظار حصول تطورات خارجية تدفع في اتجاه إعادة لبنان إلى مسار المعالجات فإن الداخل اللبناني سيكون امام مرحلة من الانتظار القاتل حيث انسداد أفق المعالجات بلغ ذروته، وان قنوات التواصل بين المسؤولين شبه مقطوعة مما يعني ان تأليف الحكومة لن يكون في قبضة اليد في وقت قريب. واذا كان تأليف الحكومة يبدو بعيداً، فان الانفجار الاجتماعي بات قريباً، وقريباً جداً في ضوء تفاقم الوضع المعيشي، ولكن ما يبعث على الخوف أكثر، هو المؤشرات التي بدأت تلوح في الأفق لجهة حدوث حالة من الفوضى وسط تهاوي مؤسسات الدولة، إذ ان غالبية الوزارات والمؤسسات العامة بدأت تفقد أدنى متطلبات استمرارها، فبعض المؤسسات أقفل بالأمس بفعل فقدان المازوت والبعض الآخر لا يوجد فيه ورق وحبر لإنجاز المعاملات للمواطنين، وهذا الأمر ان دل على شيء فانه يدل علىان الهيكل بات أقرب ما يكون لكي يتهاوى ما لم يسارع أهل الحل والربط إلى تأمين هذه المستلزمات أو الاتيان بالبديل ومعالجة الأزمة المعيشية إذا كان بالإمكان بعد من وقت كافٍ للقيام بهذه المهمة.
ويؤكد مطلعون على مسار التأليف بأن الحكومة المنتظرة هي في حالة جمود، وان ما يطرح من أفكار وصيغ خلف الكواليس لم تنجح في فتح ثغرة في جدار الأزمة، حيث ما زال كل فريق يتمترس وراء مواقفه وان تبادل التنازلات المطلوبة لم يقتنع به بعد المولجون بعملية التأليف من دون إعطاء أي اعتبار للخسائر الفادحة التي تصيب لبنان واللبنانيين نتيجة التلكؤ الحاصل في عملية تشكيل الحكومة.
ويشدد هؤلاء على أن كل ما يطرح اليوم حول الوضع الحكومي غير دقيق وهو من باب التكهنات، إذ أن هناك من ذهب إلى توقع زيارة للرئيس المكلف إلى قصر بعبدا فور وصوله إلى بيروت، وهذا أمر لن يحصل في حال لم يضمن الرئيس سعد الحريري قبول الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي بالتخلي عن الثلث المعطل، إذ أن الرئيس الحريري ليس في وارد زيارة القصر لمجرد الزيارة، وانه لن يقوم بهذه الخطوة هذه المرة ما لم يضمن حصوله على النتائج التي يتوخاها وهو أمر ما زال بعيد المنال حتى هذه اللحظة، وإلى ذاك الحين فإننا سنبقى في مرحلة تقطيع الوقت إلى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً.