كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
شكّل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، تاريخاً مفصلياً في الوضع اللبناني وهزّ العالم أجمع، وأدخل عوامل جديدة على السياسة اللبنانية.
على مرّ الأيام و”العهود”، كان لبنان أرضاً خصبة لجذب التدخلات الخارجية، وحُكم هذا البلد من السفارات والإستخبارات الخارجية، فعندما يحصل إتفاق بين الدول الفاعلة كانت البلاد تنعم بالإستقرار والإزدهار، وحين تقع المشكلة الإقليمية يغيب الإستقرار ويحلّ مكانه الإضطراب السياسي والحروب الطائفية.
بعد خروج جيش النظام السوري من لبنان في نيسان 2005، لم تعش البلاد إزدهاراً واستقلالاً، بل حاول النظام الإيراني عبر “حزب الله” وراثته ونجح بذلك إلى حدّ ما، لكن العين الدولية التي تراقب لبنان لها مصالحها الخاصة ولا تتركه فريسة لدولة واحدة.
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسرع تحرّكاً بعد انفجار المرفأ، قصد بيروت بسرعة قياسية ومشى في شوارع الجميزة مسترجعاً ذكريات أسلافه وعلى رأسهم الجنرال ديغول، لكن ماكرون وقع في الخطأ وظنّ أن فرنسا 2020 هي نفسها فرنسا 1920 و1943.
وفي السياق، يؤكّد مطّلعون على الموقف الفرنسي أن الرئيس ماكرون يشعر بخيبة أمل كبيرة من تعامله مع الواقع اللبناني، وهذه الخيبة تنقسم إلى عدّة أقسام أبرزها:
أولاً: الخيبة من الطبقة السياسية التي يعتبر أنها غدرت به ولم تفِ بالتزاماتها.
ثانياً: الخيبة من عدم قدرة فرنسا على المونة على الزعماء اللبنانيين، حيث أن رئيس جمهورية فرنسا يبذل كل ما بوسعه من أجل إنقاذ الوضع وسط لامبالاتهم أو إنتظارهم كلمة سرّ تأتي من دول يتبعون لها، وبالتالي فإن فرنسا فقدت دور الأم “الحنون” التي تمون على أبنائها.
ثالثاً: هناك عتب فرنسي على الشعب اللبناني الذي لم يلاقِ مبادرة ماكرون أو يدعمها، ولا يزال هناك قسم كبير من الشعب يتبع الزعماء الذين أوصلوه إلى الهاوية.
وأمام كل هذه الخيبات الفرنسية كانت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان والتي أتت توبيخية، ولكن من دون أن تصل إلى أي نتيجة عملية أو تحلحل عقد تشكيل الحكومة المنتظرة.
واللافت ان لودريان اجتمع مع ممثلين عن المجتمع المدني والحراك الشعبي وعدد من النواب المستقيلين، في رسالة واضحة مفادها تأكيد الغضب على الطبقة السياسية والتفتيش عن بديل.
لكن ما أثار الإستغراب أن الفرنسي هو من أعاد بثّ الحياة في شريان تلك الطبقة، فبعد إنفجار 4 آب كان هناك غضب عارم على الحكّام، لكن ماكرون إجتمع بهم في قصر الصنوبر وأعاد تلميع صورتهم وأعطاهم حق النقض “الفيتو”، ما دفعهم إلى تخريب الحكومة وتطيير مبادرته.
ويشدّد المطّلعون على الموقف الفرنسي على أن ماكرون بدّل من نظرته إلى الواقع اللبناني، وبات أقرب إلى الموقف الأميركي الذي يعتبر ان هذه الطبقة السياسية غير قادرة على القيام بالإصلاحات وإنقاذ الوضع، وفي هذا السياق أتى إجتماع لودريان بعدد من القوى المدنية والسياسية خارج البرلمان.
ولا يستبعد هؤلاء أن تتدخّل فرنسا في الإنتخابات النيابية المقبلة أو تحاول أن تؤثّر في الرأي العام. من هنا، يتم إسترجاع مشهد إنتخابات 1943 النيابية والرئاسية، وقد دعمت حينها الرئيس إميل إده في وجه الكتلة الدستورية بزعامة بشارة الخوري المدعوم بريطانياً، وقد فاز الخوري وخسر إده حليف باريس.
ولا يمكن مساواة قوّة فرنسا اليوم بفترة الإستقلال، وبالتالي فإن دخولها في “المغطس” اللبناني والزواريب من دون إقامة الحسابات الضرورية سيساهم في خسارة حلفائها إن وُجدوا، فالنفوذ الأساسي في لبنان هو للولايات المتحدة الأميركية والسعودية وإيران من بعدها، بينما تأثير فرنسا معنوي فقط لا غير.
لا يمكن للرئيس الفرنسي “أن يدعس دعسة ناقصة” في لبنان قبل إنتخاباته الرئاسية، في حين يتكلم كثر عن وجود بعض المستشارين الذين يضللونه وهؤلاء على صلة ببعض الأحزاب والجماعات المستقلة الذين لديهم مصالح خاصة. من هنا، فإن ماكرون أمام إستحقاق جدّي وهو طريقة الخروج من المغطس وعدم الغرق فيه.