كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
تتجّه الانظار اليوم الى الفاتيكان، لمتابعة اليوم الخاص بـ «التأمل والصلاة من اجل لبنان»، الذي دعا اليه البابا فرنسيس «قادة الكنائس في بلاد الأرز»، على خلفية السعي الى معالجة الازمات التي يعانيها لبنان، وسط حديث متنامٍ عن الترددات التي يمكن ان يؤول اليه الحدث النادر. فمهما استخف البعض بنتائجه، فإنّ مرجعاً ديبلوماسياً وصفه بأنّه «يوم صلاة بابوية – دولية». فكيف تمّ التوصل الى هذا التوصيف؟
تأسيساً على ما سبق «لقاء الصلاة من اجل لبنان» الذي سيشهده الفاتيكان اليوم، ارتفع منسوب الاهتمام بما يمكن ان يؤدي اليه هذا الحدث الكبير. فالبابا لم يوجّه الدعوة الى يوم صلاة عادي، لا بل أصرّ في دعوته امس المؤمنين المتجمعين في ساحة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، على أن «يتّحدوا روحياً مع قادة الكنائس في لبنان الذين سيجتمعون اليوم، وأن يصلّوا من أجل لبنان لكي ينهض من الأزمة الخطيرة التي يمرّ فيها ويُظهر للعالم وجهه، وجه السلام والرجاء». وخصوصاً انّه سيستلهم في صلاته «النص البيبلي الذي يقول إنّ الرب الإله لديه أفكار سلام».
قد يعتقد البعض، انّه طالما ان ليس لدى البابا جيش يفرض ارادته وينفّذ رغباته وطلباته، فهو عاجز عن القيام بأي مسعى سياسي او ديبلوماسي، فيما التجارب الدولية والتاريخية تتحدث عن الكثير من المتغيّرات التي شهدتها دول عدة بمبادرة فاتيكانية. وطالما انّ البابا وضع لبنان على لائحة هذه الدول، فإنّ اي استخفاف بهذا الدور إنما ينمّ عن خوف مما يمكن ان يؤدي اليه، او جهل كبير لقدرات دولة الفاتيكان على اكثر من مستوى دولي واقليمي، متى وجد من يستخدم كل قدراتها وحجم العلاقات التي يمكن ان يقود اليها اي توجّه فاتيكاني جدّي وحازم، والذي سمح في ما مضى بحلّ عدد من النزاعات الدولية.
وعليه، فقد لفتت مراجع سياسية وديبلوماسية، الى انّ للفاتيكان علاقات ديبلوماسية متبادلة مع 183 دولة، و38 منظمة عالمية، وعشرات المنظمات والجمعيات الاقليمية، وهو عضو مراقب في الأمم المتحدة. ولا يُستثنى من علاقاته سوى 14 دولة، 8 دول منها إسلامية و4 شيوعية ودولة بوذية. ولذلك اشارت هذه المراجع الى اهمية التحضيرات التي سبقت اعلان يوم لبنان في الفاتيكان، وتحدثت عن حملة ديبلوماسية قادتها وزارة خارجية الفاتكيان منذ ان وجّهت الدعوة الى بطاركة الكنائس المسيحية في لبنان قبل اسابيع، للمشاركة في هذا اليوم.
وقالت المراجع نفسها، إنّه وبالإضافة الى التنسيق القائم بين الفاتيكان ودول الإتحاد الاوروبي، ولا سيما منها فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا، فقد لفتت الى اهمية اللقاء الذي جمع البابا الاثنين الماضي بوزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن في الفاتيكان، وهو بالإضافة الى كونه اللقاء الاول مع مسؤول رفيع المستوى في إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يجمعه لقاء خاص مع البابا منذ دخوله البيت الابيض في 20 كانون الثاني الماضي، فهو جاء في توقيت دقيق، على اي مراقب ربطه بما سبقه وتلاه من لقاءات شارك فيها بلينكن.
فاللقاء الذي خُصّص جانب منه لملف لبنان، وما يعانيه هذا البلد الصغير، راجع مجموعة القرارات التي تستعد الولايات المتحدة الاميركية لخوضها، بالتعاون والتنسيق مع فرنسا، بعد اللقاء الذي جمع بلينكن بنظيره الفرنسي جان ايف لودريان قبل ايام، وتوجيههما الإنذار الاول من نوعه الى السلطة في لبنان لخوض الإصلاحات المطلوبة التي تؤدي الى الدعم الدولي المباشر للبنان لتجاوز الازمة الخانقة التي يعانيها.
وفي الوقت الذي اشارت وسائل الإعلام الفاتيكانية استناداً الى بيان رسمي بابوي، الى أنّ الوضع في لبنان كان حاضراً في اللقاء بين البابا وبلينكن، لم تكن قد انتهت الترددات «الصاعقة» للموقف الفرنسي ـ الاميركي المشترك من لبنان. فإشارة بلينكن ولودريان الى توافقهما على انخراط بلديهما كما بريطانيا، في ممارسة الضغوط الثلاثية على المسؤولين والسياسيين اللبنانيين في عمل منسّق، قد فعلت فعلها، دفعاً للامور نحو تشكيل حكومة توصّلاً الى ضروة البحث عن «قيادة لبنانية حقيقية» منعاً للوصول الى مرحلة «زوال» لبنان.
وقبل ان يستوعب الجو الدولي حجم ردّ الفعل الاميركي ـ الفرنسي تجاه لبنان، والحديث المتنامي عن العقوبات في حق «معرقلي عملية تشكيل الحكومة والاصلاحات المطلوبة في لبنان»، كان اللقاء الثلاثي الذي كشف عنه بلينكن عبر «تويتر» بصورة جمعته بنظيريه السعودي الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي لودريان، على هامش مؤتمر التحالف الدّولي لمكافحة «داعش» الذي عُقد الاثنين في روما، ليزيد من حجم الصدمة بحضور لبنان في هذه المنتديات الدولية.
وإن كان انضمام الوزير السعودي للمرة الاولى الى اجتماع يُعقد على هذا المستوى للبحث في قضية لبنان الى جانب القضايا المشتركة الاخرى، فقد اعطى انطباعاً يشجع على ما يمكن ان يؤدي اليه التدخّل الفاتيكاني، وخصوصاً انّ بلينكن استخدم في تغريدته العبارات عينها التي استُخدمت في البيانات التي تلت اللقاء الاميركي- الفرنسي كما البابوي ـ الاميركي حرفياً. فقد كان بلينكن واضحاً عندما قال بنحو مختصر: «ناقشنا ضرورة أن يُظهر القادة السياسيون في لبنان قيادة مسؤولة، عبر تطبيق الإصلاحات الضرورية لاستقرار لبنان واقتصاده وتقديم الحاجات الضرورية للشعب اللبناني».
وبناءً على كل ما تقدّم، لا يمكن التقليل من اهمية ما يُقام من أجل لبنان في الفاتيكان اليوم، ان كان تتمة لكل هذا النشاط الديبلوماسي الذي استحوذ على اهتمامات الفاتيكان، الى جانب الفرنسيين والاميركيين والسعوديين في اقل من ثلاثة ايام متتالية. وعليه، يمكن البناء كثيراً لإعادة احياء المظلة الدولية فوق لبنان.
وعلى الرغم من هذه القراءة المتفائلة، فإنّ عائقاً كبيراً قد ينسف كل ما يمكن ان تقود اليه هذه الحركة الدولية. فتجاهل اركان السلطة للحراك الدولي، واهمال ما هو مطلوب منهم، واستمرارهم في منع تشكيل الحكومة المطلوبة دولياً، ومعاندتهم لملاحظات المجتمع الدولي والانغماس اكثر في «محور الممانعة»، سيودي حتماً بلبنان الى الهاوية السحيقة التي توقّعها الوزيران الفرنسي والأميركي، ولن تأتي بالدعم الدولي المطلوب لإنقاذ لبنان. فهل هناك من يسمع ويفقه خطورة الوضع الذي بات فيه لبنان؟ ام انّ طموحات اركان السلطة ورغباتهم الشخصية ستقضي على آخر امل بالجهود الدولية المبذولة من اجل لبنان؟