كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
مثلما استعان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بـ»الصديق» رئيس مجلس النواب نبيه بري للمساعدة في حلّ الأزمة الحكومية، ثمّ استعان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بـ»الصديق» نصرالله للدخول على خط الحلحلة الحكومية بعدما تبيّن أنّ بري «وسيط غير نزيه»، كذلك يبدو أنّ الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري في حاجة الى الاستعانة بصديق لحلّ معضلة التأليف، وهو رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لكنّ هذا الصديق لن يلبّي طلب الاستعانة حكومياً.
من اللافت أنّه بعد عجز رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري على الاتفاق على صيغة حكومية، على رغم مرور 8 أشهر و8 أيام على تكليف الحريري، تُركّز أوساط قيادية في تيار «المستقبل» «على دور لـ»القوات اللبنانية» في الملف الحكومي، على رغم عدم تسمية نواب «القوات» الحريري وإعلانها عدم المشاركة في الحكومة، وموقفها هذا غير نابع من مشكلة مع الحريري بل من اعتبارها أن «لا نَوى» مع الفريق الحاكم المتمثّل تحديداً بـ»الثنائي المَرح» أي عون وباسيل من جهة و»حزب الله» من جهة ثانية، وموقفها هذا مُعلن ومعروف منذ استقالة وزرائها من حكومة الحريري الثانية في عهد عون، في 19 تشرين الأول 2019، وهي لم تُسمِّ الرئيس حسان دياب لتأليف الحكومة ولا حتى السفير مصطفى أديب على رغم طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذلك شخصياً من جعجع.
لكن على رغم ذلك، وعلى رغم أنّ الحريري خذلَ «صديقه» جعجع في أكثر من محطة نيابية ووزارية بتحالفه مع باسيل، فضلاً عن أنّه تبنى ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية في وقت كان جعجع مرشح 14 آذار، ما أدّى الى وصول عون الى الرئاسة وفق ما تعتبر «القوات»، فضلاً عن «زَعل» الحريري من جعجع بعد استقالة الحريري من الرياض عام 2017، فإنّ أوساط «المستقبل» تعتبر أنّ «تعطيل باسيل لتأليف الحكومة وتمسّكه بحصة معيّنة وفَرضه شروط التأليف، هو النتيجة المباشرة لعدم إقدام «القوات» على تسمية الحريري وثانياً على رفضها المشاركة في الحكومة، وذلك لأنّها تركت باسيل يغرّد بمفرده مسيحياً، وأخلَت الساحة له، ما أدّى الى تَحكّمه بالجمهورية اللبنانية». وترى أنّ «إعلان جعجع المشاركة في الحكومة أو تسمية وزراء مسيحيين مستقلين، «يكسر رأس» باسيل»، ويحلّ العقدة الحكومية فوراً».
في المقابل، إنّ وجهة نظر «القوات» مختلفة، وتعتبر أنّ العرقلة الحكومية دليل على صحة وجهة نظرها بأنّه لا يمكن التعاون مع الفريق الحاكم، وهي دعت الحريري منذ ما قبل تكليفه الى عدم المشاركة في الحكومة والى الاستقالة من مجلس النواب، لقلب الطاولة على السلطة وفرض إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج السلطة. فلماذا يحاول «المستقبل» أن يجرّ «القوات» الى المستنقع الحكومي بدلاً من أن يخرج هو منه بالتجاوب مع دعوة «القوات»، خصوصاً أنّ أوساطاً نيابية في «المستقبل» تؤكد أنّ عرقلة عمل الحريري بعد التأليف في حال نجح في تأليف الحكومة سؤال مطروح جدياً، وأنّ الحريري وفريقه يعتبران أنّ باسيل يريد أن يسيطر على قرار الحكومة، وأنّ «تأليف الحكومة يجري وفق حسابات رئاسة الجمهورية المقبلة ولتأمين موقع سلطة لباسيل».
الحريري لم يتجاوب مع وجهة نظر «القوات» لأنّها لن تؤدي الى نتيجة، ولا حلّ أو بداية للحلّ إلّا بحكومة اختصاصيين مستقلين وفق شروط المجتمع الدولي، فضلاً عن أنّ اعتذار الحريري عن مهمة التأليف له تداعيات سلبية على البلد، وهو ليس من مدرسة «تُدير ظهرها للبلد»، وفق ما تقول مصادر «المستقبل». وتخلص الى أنّ «الحريري وجعجع يتحمّلان معاً مسؤولية عدم تفاهمهما، ما يؤدي الى استشراس باسيل أكثر».
دعوة «المستقبل» جعجع الى تسمية وزيرين في الحكومة لحلّ عقدة «الوزيرين المسيحيين» ليست جديدة، وطرَحتها أوساط عدة غير «المستقبل»، واقتُرحت على «القوات» بطريقة غير مباشرة عبر بكركي، إلّا أنّ «القوات» رفضتها وأكدت موقفها الواضح من عدم جدوى أي حكومة قبل إعادة إنتاج السلطة بكاملها. (راجع مقال: «هل يحلّ جعجع العقدة الحكومية؟» في عدد «الجمهورية» في 16 حزيران الجاري).
من جهتها، تعتبر «القوات» أنّ «من يعتقد أنّ أزمة الحكومة هي أزمة وزيرين بالزائد أو بالناقص يعيش في أزمة سياسية ويتخبّط في واقع كارثي. فمن يعتبر لغاية الآن أنّ الأزمة تُحلّ من خلال تسمية وزيرين يعني أنّه يطمر رأسه في الرمال ولا يريد أن يرى الحقائق والوقائع، وأنّ المشكلة تكمن في نهج وممارسة وإدارة. فهل يُعقل أن يكون البلد مُعطّل ومأزوم وفي حال انهيار بهذا المستوى، وتكون المشكلة في وزيرين؟». وبالتالي، إنّ المشكلة، بحسب «القوات»، هي في «هذه النظرة تحديداً التي لا تريد أن تعترف بالوقائع والحقائق، وبأنّ الازمة أزمة عهد وفريق سياسي مُمسك بالسلطة يجب تغييره عن بكرة أبيه».
وانطلاقاً من تَعذّر تأليف الحكومة، وكلّ ما يحصل من انهيارات، تعتبر «القوات» أنّ «كلّ هذا يؤكد صوابية موقفها وطريقة مقاربتها للامور، وأنّها على حق في نظرتها الى الفريق الحاكم». وبالتالي، «المطلوب من الآخرين أن يلتحقوا بموقفها لا أن تلتحق هي بمواقفهم. وأن يتبنّى الجميع مطلب تقصير ولاية مجلس النواب والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة لا أن تشارك «القوات» في حكومة معروف مصيرها مسبقاً». وتسأل مصادر «القوات»: «هل إنّ حكومة تَأخّرَ تأليفها أكثر من 8 أشهر، إذا وُلدت، ستستطيع أن تجري الاصلاحات المطلوبة وأن تقود البلد الى شاطئ الأمان وأن تشكّل إنقاذاً للبنانيين؟».
كذلك، إنّ بيانات الاتهامات المتطايرة بين عون – الحريري، والحريري – باسيل، و»المستقبل»- «الوطني الحر»، كافية لوحدها، بالنسبة الى «القوات»، لأن تعطي صورة واضحة عن طبيعة الحكومة الآتية. وتسأل بالتالي: «هذه دعوة الى ماذا؟»، معتبرةً أنّ «كلّ من يتعاون مع هذا الفريق الحاكم هو المُحرَج والذي يجب أن يُساءَل، و»القوات» هي في موقع من يطالب الآخرين الانضمام الى موقفها».
وعلى رغم كثرة الكلام عن تسمية «القوات» لوزيرين أو أكثر في «حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين»، إلّا أنّ أحداً لم يفاتحها بهذه المسألة رسمياً، وذلك بحسب مصادرها، لـ»أنّنا لا يمكن أن نكون شركاء مع مَن دمّر البلد. وأحد لا يجرؤ على مناقشة هذه المسألة معنا».