كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
تثير البرودة التي يتعاطى بها المعنيون الرئيسيون بتشكيل الحكومة الجديدة تساؤلات واسعة، حيث إن كل تجارب التعطيل السابقة لم تصل إلى حد الاستهتار الذي يحصل اليوم تجاه هذا الاستحقاق، والذي يعتبر الممر الإلزامي الوحيد لبدء الخروج من الجحيم الذي يعيشه الشعب اللبناني برمته. ولم تعد تبريرات رئيس الجمهورية لأسباب التأخير تقنع أحدا، كما أن تعاطي رئيس الحكومة المكلف مع عملية التأليف أصبحت مثار جدل.
أمين عام حزب الله حسن نصرالله أكد أن حزبه لا يقف وراء تعطيل تأليف الحكومة، وهو لن يختلف مع أي من الأطراف للدفع باتجاه الإسراع بتشكيلها في الوقت نفسه، وقد أبدى حرصه على الصداقة مع جميع المعنيين بالتشكيل، وهذا الموقف يعني أن الحزب يدير اللعبة بمعظمها، وهو قادر على التعايش مع الاختناق المعيشي الحاصل، على اعتبار أن لديه بنية تحتية خدماتية ومالية وتموينية تساعده على الصمود، والاختلال في الانتظام العام يفيده أكثر مما يسبب له ضررا، لأنه قد ينفذ من بعض المقيدات التي تفرضها العقوبات الدولية عليه وعلى سورية. ومما لا شك فيه أن حزب الله لا ينزعج من نتائج انهيار النظام، لأنه قد يؤدي الى نهاية اتفاق الطائف، وبالنسبة له، الطائف تركيبة عربية – أميركية نفذها الرئيس السوري حافظ الأسد في لحظة الإنهاك السياسي الذي كان يصيب حلفاء الحزب، وهؤلاء برأيه أقوياء اليوم، ويمكنهم فرض معادلة جديدة في لبنان تحفظ مصالحهم الطائفية والاستراتيجية أكثر من دستور الطائف.
رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الذي يتزعمه النائب جبران باسيل، أمام مأزق كبير، وغالبية المواطنين يحملونهم مسؤولية الانهيار، والمزايدة الطائفية على صلاحيات الرئيس لم تعد تقنع جمهورهم، خصوصا لكون المسيحيين هم أكثر المتضررين من تدمير القطاعات الأساسية، لاسيما البنوك والمستشفيات والجامعات، كما أن المسيحيين هم الأكثر سعيا إلى الهجرة لتوفير مقومات العيش المفقودة في لبنان، والسفارات تسهل لهم الحصول على تأشيرات أكثر من أبناء باقي الطوائف، وعدد كبير منهم يملك جوازات سفر أجنبية، او لديه جنسية أخرى غير لبنانية. والأخطر من كل ذلك أن موازين القوى الطائفية او الشعبية، لا تخدم مصالح التيار، لأن أي تعديل على اتفاق الطائف لن يطول تقييد مهل ودور رئيس الحكومة كما يطمحون فقط، بل سيطول بالدرجة الأولى تقليص دور المسيحيين في إدارة الدولة، وإنشاء منصب نائب لرئيس الجمهورية يخصص للطائفة الشيعية، او اعتماد مثالثة بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين كما هو عليه الحال اليوم. إضافة الى هذه المسألة، يبدو جليا أن غالبية اللبنانيين لا يمنحون أي عذر لرئيس الجمهورية بعدم توقيعه حتى الآن على مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين بدون ثلث معطل، لاسيما بعد أن تم تسمية الوزيرين المسيحيين المختلف عليهما، وقيل أنهما «يوسف سلامة وفادي قمير» وهما مستقلان ومقربان من البطريرك بشارة الراعي.
أما الرئيس المكلف سعد الحريري فقد تراجع التعاطف معه الى الحدود الدنيا، من جراء غياباته عن البلد لفترات طويلة، خصوصا بعد الكارثة المالية والمعيشية التي أصابت الناس. ومعالجة تداعيات الكارثة برأي المواطنين أهم من السفر الى الخارج، وعلى أي مسؤول تقديم تناولات والتخلي عن أي مطلب شخصي او حزبي في مثل هذه الحالة. والتعطيل الحاصل، مضاف إليه الانهيار المخيف، لا يسير في صالح الرئيس الحريري. وجمهوره ومن يمثل قد يدفعون الثمن الأكبر من جراء تعطيل الدول وتقويض الطائف، وهذا التقويض يهدف الى فرض معادلات جديدة تقيد صلاحيات رئيس الحكومة. ومن أسباب تأخير تشكيل الحكومة أيضا الاختلال الهائل الناتج عن ضبابية الدور الدولي تجاه لبنان، برغم البيان الشديد اللهجة الذي صدر مؤخرا عن وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، لأن هؤلاء لديهم قدرة أكبر على التأثير على قوى التعطيل الداخلية والخارجية، ولكنهم لم يمارسوا ضغطا كافيا. وهناك من يتهمهم بوجود مصلحة لهم بانهيار الوضع لأسباب «نفطية» وعلى خلفية المناكفة للدورين الروسي والإيراني المتناميين في المنطقة