كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يبدو أن “المشاكل” العقارية بين البلدات اللبنانية لم تنتهِ فصولها بعد، على رغم أن الخرائط واضحة والنزاعات التي تحصل ترتدي في بعض الأوقات طابعاً سياسياً وطائفياً.
في كل بلدة من بلدات لبنان هناك نزاعات عقارية، حتى ضمن البلدات التي هي من لون طائفي واحد، لكن الخطر في” المشاكل” الأخيرة أن هناك قوى سياسية تدخل على الخط وتستغلّها وتحوّلها إلى نزاعات طائفية لتكسر شوكة بقية الطوائف.
ويتصدّر “حزب الله” كقوّة أمر واقع صدارة خلق النزاعات العقارية ودعم مفتعليها، ويبدو أن هناك مخطّطاً لضرب القانون العقاري الخاص بجبل لبنان التاريخي القديم، أي الممتد من جزين مروراً بجبل لبنان الإداري الحالي وصولاً إلى أقضية الشمال المسيحي الأربعة وهي البترون والكورة وبشرّي وزغرتا.
ففي سرد لما يحصل من “مشاكل” بين القرى المسيحية وقوى الأمر الواقع في المناطق الشيعية، هناك بعض الأملاك العائدة إلى الكنيسة المارونية في الضاحية الجنوبية والتي لم تُسترجع على رغم توقيع ورقة التفاهم بين “التيار الوطني الحرّ” و”حزب الله”.
أما المشكلة التي كادت أن تفجر صراعاً كبيراً، وتدخّل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لحلّها، فكانت مشكلة العاقورة حيث يسيطر أهالي اليمونة بالقوة على المشاعات العائدة لبلدية العاقورة وعموم الأهالي.
والجدير ذكره أن مشاعات جبل لبنان القديم تعود للبلدية وعموم الأهالي، وحينها حاول وزير المال علي حسن خليل بغطاء من “الثنائي الشيعي” مسحها باسم الدولة كاسراً مندرجات قانون جبل لبنان فتصدّى له البطريرك والاهالي والقوى المسيحية الفاعلة فتراجع.
ولا تقف السيطرة بالقوة عند حدود العاقورة، بل إنّ أهالي اليمونة المدعومين من “الثنائي الشيعي” يسيطرون بالقوة على أكثر من 11 مليون متر مربع عائدة لأهالي تنورين والبلدية، فيما الدولة لا تُحرّك ساكناً والعهد القوي الحليف لـ”حزب الله” لم يفعل شيئاً، مع أنه يقول إنه يخوض معركة إسترجاع حقوق المسيحيين، في حين يعجز عن إقناع حليفه الذي يمنحه كل شيء باسترجاع أراضي المسيحيين.
ومنذ فترة، إنفجرت أزمة أراضي لاسا والتي تعود ملكيتها للبطريركية المارونية، ولم يتمّ إحراز أي تقدّم يُعيد الحق إلى أصحابه، في حين أن هناك إشكالاً حدودياً يتكرر كل عام وخصوصاً في فصل الربيع بين أهالي بشري وبلدة بقاعصفرين في الضنية على ملكية القرنة السوداء، والتي يحاول العقلاء في المنطقة إحتواء هذا الأمر وعدم الإنجرار إلى أي فتنة طائفية بين بشري والضنية من جهة، واستطراداً بين المسيحيين والسنة في الشمال، وذلك لكي تبقى هذه البقعة أرضاً للعيش المشترك.
لكنّ التطوّر اللافت في النزاع بين بشري وبقاعصفرين هو المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن”، والتي تشير إلى أن الإتصالات مستمرة بين النائب فيصل كرامي ومسؤول “حزب الله” في الشمال محمد صالح، حيث يحثّ مسؤول “الحزب” النائب كرامي على فعل كل ما بوسعه بغية إعطاء ملكية القرنة السوداء لبلدية بقاعصفرين، ولو اضطره ذلك إلى الهيمنة عليها بكل الأساليب غير القانونية ، وغير آبه بما قد يجرّ ذلك من ويلات وبلاء على أهالي الطرفين، سواء أصحاب الحقوق والأراضي والأملاك والمشاعات أباً عن جد وبصكوك وقوانين وأحكام قضائية، أو المعتدين عليهم المغرّر بهم من أبناء الجوار الذين باتوا ينتشون بفائض قوة “حزب السلاح”.
فـ”حزب الله” لا يخوض هذه المعركة العقارية من أجل مصلحة أهالي الضنية، بل لأن “الحزب” يعتبر أن نفس المنطلقات التي تتمسّك بها الكنيسة المارونية لإثبات حقها في ملكية أراضي لاسا هي تقريباً يرتكز عليها أهالي منطقة بشري لإثبات ملكية أراضيهم في القرنة السوداء، وبالتالي إذا ضُربت هذه المنطلقات في القرنة السوداء، يصبح سهلاً على “حزب الله” ضربها في لاسا أيضاً.
وتجرى الإتصالات بكثافة حيث يستعمل “حزب الله” كرامي كحصان طروادة في القرنة السوداء لتكريس أعراف عقارية غير موجودة أصلاً، والضرب بكل الخرائط والإثباتات التي بحوزة أهالي بشري عرض الحائط، والتي تؤكد ملكيتهم القرنة السوداء، في حين أن العقلاء في بشرّي والضنية يعملون على إحتواء “المشكل” وعدم تحويله إلى طائفي ومذهبي، في حين أن همّ الناس يتركّز الآن على تخطّي نار “جهنّم” التي يعيشها لبنان.