Site icon IMLebanon

لقاء الفاتيكان: تجنيب مسيحيي لبنان ما أصابهم بسوريا والعراق

كتب منير الربيع في “المدن”: 

يقدم الفاتيكان رؤيته ونظرته للمشكلة اللبنانية. لذلك وجهت الدعوات لرجال دين من الطوائف المسيحية تحت عنوان “صلاة لأجل لبنان”. يريد الفاتيكان توفير المناخ حول العلاقة الجيدة للبنان والمسيحيين فيه مع كل الطوائف الكبرى في الشرق الأوسط، والتي يعيش معها المسيحيون، إنطلاقاً من إعلان الأزهر وزيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات ومندرجات زيارته إلى العراق ولقائه بالمرجع السيد علي السيستاني.

السياسي والإنساني والاعتراض السوري

لا يمكن للفاتيكان حماية المسيحيين من دون أن تكون علاقاتهم جيدة مع أبناء الطوائف الأخرى المحيطة بهم. لا يمكن بالنسبة إلى الفاتيكان أن يكون هناك قبول بتحوّل لبنان إلى دولة شمولية، أو دولة انهيار اقتصادي ومؤسساتي، لأن ذلك لن يحمي المسيحيين وسيتسبب بهجرتهم. ولا بد من الإشارة إلى أن مشروع الفاتيكان لا يمكن أن يرتكز على قاعدة “حماية المسيحيين من الطوائف الأخرى” تحت شعار المسيحية المشرقية أو حلف الأقليات.

في اللقاء اليوم جانبان أساسيان. الأول سياسي، وهو غير بعيد عن مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي. كما أنه ليس بعيداً عن الموقف الأميركي الفرنسي والسعودي. طرح الحياد أمر جدي بالنسبة إلى الدوائر الفاتيكانية، مع تأكيد التنسيق المستمر مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ودول عربية في سبيل تحييد لبنان عن صراعات وأزمات المنطقة.

أما الشق الثاني، فله علاقة بالواقع الإنساني والمعيشي والاقتصادي للمسيحيين في المنطقة. فالكاثوليك في العالم حوالى ملياري نسمة، ولديهم عشرات آلاف المؤسسات المسيحية الإنسانية، وعلى الأرجح، ستتبلغ هذه المؤسسات قراراً بتقديم مساعدات عينية مباشرة للبنانيين من دون تمييز بين طوائفهم. والهدف من وراء ذلك، هو توفير مقومات صمود اللبناني في ظل الأزمة المستفحلة التي يعيشونها. كما أن المساعدات تتناول الغذاء والاستشفاء والتعليم.

قدم كل وفد من الوفود وجهة نظره. وفيما طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي مسألة الحياد وعقد مؤتمر دولي لأجل لبنان، كانت الوفود الأخرى تعترض على ذلك، مع الإشارة إلى أن بعض هذه الشخصيات المعترضة على علاقة بالنظام السوري، وكانت قد التقت بمسؤولين سوريين قبل الذهاب إلى لقاء البابا. فيما تشير المعطيات إلى أن الفاتيكان يريد تحييد لبنان عن الصراعات، وأنه لم يكن للبطريرك الراعي أن يطلق مواقفه لو لم تكن تحظى بموافقة فاتيكانية.

تاريخ وتجذير

منذ العام 1485 والعلاقة بين الفاتيكان والكنيسة المارونية في لبنان ثابتة وراسخة. إذ حصلت عملية وحدة العقيدة الدينية لدى الموارنة مع الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. وترجمت بمشروع حضاري ثقافي كبير بعد تأسيس المدرسة المارونية في روما سنة 1586، وهي التي أسست للنهضة في الشرق بفعل تعليم الموارنة في روما. إذ حينها كان شائعاً القول أن الماروني الذي يذهب إلى هناك للتعلم كان يجيد أربع لغات. وتجذرت العلاقة أكثر في مرحلة ثالثة سنة 1736 مع مؤتمر اللويزة، والذي أسس لكل المشروع الماروني في الشرق بحضور مبعوثين فاتيكانيين. عقد المؤتمر في دير اللويزة، ومنه انطلقت عملية التعليم المجاني، أو ما يعرف بتأسيس مدرسة “تحت السنديانة”، وهدفها محو الأمية في كل القرى والمناطق. وفي تلك الفترة أسست أول مطبعة في الشرق في دير مار قزحيا في وادي قنوبين، تطبع اللغتين العربية واللاتينية. وهذه الحقبة أسست لإرسال الكثير من الإرساليات، من اليسوعيين إلى الفرانسيسكان، واللعازاريين الذين عملوا على افتتاح المدارس والجامعات والمؤسسات الإنسانية.

لا يمكن للفاتيكان السماح لما جرى في العراق وسوريا أن يتكرر مع مسيحيي لبنان. الهدف هو تجذير المسيحيين في أراضيهم وتثبيتهم. وهو يعتبر نفسه ضنيناً بالحفاظ على الموقع الوحيد الذي يضم رئيساً مسيحياً للجمهورية ويتعايش فيه المسيحيون مع المسلمين والطوائف الأخرى، بناء على رؤية البابا يوحنا بولس الثاني حين قال إن لبنان ليس دولة بل هو رسالة. ولا يمكن إغفال السينودوس الذي بدأت أعماله في العام 1992، وتم الإعلان عنه في الزيارة التاريخية للبابا سنة 1997، وكانت أهم مرتكزاته هي مشاركة المسيحيين بتعايش مع المسلمين في بناء مشروع حضاري كبير يحتضن دورهم وتأثيرهم في الدولة.

سقوط خصوصية المصير

في سنة 2012 عقد السينودوس الثاني تحت عنوان “من أجل مسيحيي الشرق” الذي أطلقه البابا بينيدكتوس، والذي ركز على بقاء المسيحيين في مناطقهم إنسجاماً مع المسلمين وغيرهم، ولكن بعد هذا السيندوس عملت جماعات مسيحية كثيرة على بناء نظرية حلف الأقليات، وحاولت إقناع شخصيات في الفاتيكان بهذا المشروع، وكان أحد المتلقفين لهذه الفكرة الكاردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية، وفق طموح إعطاء خصوصية لمسيحيي الشرق. وكانت هذه الفكرة منطلقة على وقع الثورة السورية وأحداث الربيع العربي، ولكن فيما بعد ثبت سقوط هذه الفكرة، حتى ساندري لم يعد مقتنعاً بها ومعتبراً إياها عقيمة، كونها تضع المسيحيين ومصيرهم بمواجهة متعاكسة مع الجماعات الأخرى. لذلك يشدد الفاتيكان على بناء دولة المواطنة القائمة على التعايش بين المسلمين والمسيحيين.