كتب عماد موسى في “نداء الوطن”:
دخل النواب قبل ظهر الأربعاء إلى قصر الأونيسكو بكامل أناقتهم الصيفية، وما إن وطأت أقدامهم قاعة المسرح حتى شعروا بالحر يلفحهم وبالعبقة على صدورهم وبضيق في أنفاسهم. اللعنة، القاعة غير مبردة، مع بدء التصويت على البند الأول تبادل النواب نظرات الإستهجان، مع طرح مشروع القانون القاضي بطلب الموافقة على إبرام إتفاق تعاون في مجال الدفاع بين حكومة الجمهورية اللبنانية وحكومة البرازيل الفدرالية بدأ الشلح ضمن حدود التهذيب، ومن باب الأمانة أحد من النواب الأفاضل لم يخلع قميصه أو سرواله مع أن في جهنم يسمح الإيتيكيت بارتداء الشورت والصندال في الإجتماعات الرسمية والإكتفاء بالمايوه في دوائر الدولة ولا أعتقد أن خبيرة الإيتيكيت نادين ضاهر تخالفني الرأي.
نوّاب “الجمهورية القوية” خرجوا من الجلسة العامة بثيابهم الكاملة. من بقوا في صالة الأونيسكو تخلّوا عن الجاكيت وربطة العنق. شعر الرئيس نبيه بري أن من غير الإنساني عقد جلسة ثانية لإقرار البنود الـ 78 وبين زملائه باقة من المعمّرين. فكان أمام خيارين: أو يطلب من الأمين العام لمجلس النواب إحضار 200 كيس ثلج، والإستعانة بـ 100 مضيفة لمساعدة النواب على وضع أكياس الثلج على رقابهم كي يبوردوا، ولحظ الرئيس بري إستثناء نواب “حزب الله” من هذه الخدمة منعاً للإحراج. وكل ربع ساعة تمرق 4 مضيفات بتنانير قصيرة وتوزع مثلجات على النواب وأكواب ليموناضة وقناني تمر هندي جلّول. أو يلغي الجلسة الثانية وكل نايب يبورد ببيتو. أخذ الإستيذ الخيار الثاني ما تسبب بامتعاض نيابي كبير.
وغداً، كي يستدرج “الإستيذ” النواب إلى جلسة مساءلة، سيرسل إليهم بطاقات دعوة يضمّنها إلى جدول الأعمال الإشارة إلى أن الصالة مبرّدة وبين كل سؤال وجواب إستراحة يتخللها جلسات تدليك وشرب ليموناضة ونميمة.
النائب أولاً وأخيراً إنسان، ولا يمكن أن تكبده مشقة الإنتقال من بيته إلى المقر الموقت لمجلس النوّاب لممارسة دوره من دون تقديم حوافز مغرية ومجزية كتقديم الليموناضة مثلاً أو بوظة على توت أو تخصيصه ببون بنزين أو بون مازوت أو جرّة غاز بحسب حاجته، يعود بها إلى بيته سعيداً وشفتاه كأنهما رُسمتا بأحمر غامق وقميصه الأبيض مبقّع بالأحمر. التوت عك…
في تموز جهنمي قبل ثلاثة عقود، سافرت لأول مرة إلى القاهرة، طلعتُ في بيجو المطار وبعد الترحيب الحار سألني السائق وقد قعدت إلى جواره: عاوز تبريد يا باشا؟ أجبته “بالتأكيد يا اسطا”. أدار مروحة صغيرة بحجم الكف مثبتة على التابلو ووجه شفراتها الأصغر من شفرات الحلاقة صوبي. وصلت إلى الفندق كاتماً ضحكة وشوقاً إلى مغطس بارد جداً. مثلي مثل أي نائب خارج من جلسة تشريعية في اليوم الـ 456 قبل نهاية العهد القوي.