ليس خبرا عاديا ذلك الذي أتى امس من مكتب المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار. ففيما اللبنانيون غارقون في ازماتهم المعيشية وفيما البلاد تترقّب مصير الملف الحكومي سيما غداة يوم لبنان في الفاتيكان الخميس الماضي، تمكّن اطلاق بيطار مسارَ الملاحقات القضائية في ملف المرفأ بعد الانتهاء من مرحلة الاستماع إلى الشهود، من خطف انتباه الشارع اللبناني، لما تضمنّه من اسماء طَلَبَ القاضي رفعَ الحصانة عنها للاستماع اليها، وهم من القيادات السياسية والامنية في البلاد.
فمن جديد، حدّد بيطار موعدا لاستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، كمدعى عليه في القضية، من دون أن يعلن عن هذا الموعد. كما طلب رفع الحصانات عن كل من وزير المال السابق علي حسن خليل، وزير الأشغال السابق غازي زعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيدا للادعاء عليهم وملاحقتهم، وطلب إعطاء الاذن بملاحقة وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، للشروع باستجواب هؤلاء جميعا بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير. في السياق عينه، طلب المحقق العدلي من رئاسة الحكومة، إعطاء الإذن لاستجواب قائد جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمدعى عليه، كما طلب الإذن من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي، للادعاء على المدير العام لجهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وملاحقته. وشملت قائمة الملاحقات قادة عسكريين وأمنيين سابقين، إذ ادعى بيطار أيضا، على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، مدير المخابرات السابق في الجيش العميد كميل ضاهر، العميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين، العميد السابق في المخابرات جودت عويدات. وحدد المحقق العدلي مواعيد لاستجواب هؤلاء بشكل دوري.
ما فعله بيطار، جريء ومدوّ، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”. فالرجل عمل بصمت لشهور، الا انه وعلى مسافة شهر تقريبا من الذكرى السنوية الاولى لـ”جريمة العصر”، فجّر قنبلة من العيار الثقيل. فقراره ليس فقط “مبكّلا” من حيث الشكل، حيث احترم الاصولَ القانونية وتوجّه الى مجلس النواب ونقابة المحامين والوزراء المعنيين، طالبا رفعَ حصانات أو اعطاء اذونات للاستماع الى الشخصيات المذكورة اعلاه، بل هو لافت ايضا من حيث مضمونه ايضا، لناحية الاسماء التي سمّاها من جهة وعدد هذه الاسماء من جهة ثانية وتوزّعها على الجهات المعنية بعملية إدخال النتيرات الى مرفأ بيروت، كلّها، امنيا وسياسيا.
وفيما لم يبد اي من المستدعين اعتراضا على القرار حتى الساعة، تشير المصادر الى ان العبرة تبقى في التنفيذ. فالخشية كبيرة من ان يتكرّر السيناريو ذاته الذي انتهى بكفّ يد القاضي صوان عن الملف، هذه المرّة ايضا. فدياب رفض في السابق المثول امام الاخير، كما سارعت طائفته الى احتضانه ورفض تحميله مسؤولية زلزال 4 آب. الامر نفسه حصل في مجلس النواب الذي امتنع عن رفع الحصانات عن النائبين زعيتر وحسن خليل. المنظومة حينها تكتّلت حول نفسها وتجاوزت كل خلافاتها، لتتواطأ على التحقيقات وتحبطها، مانعةً، بسلاح الطائفيةِ وحجج المناصب والالقاب، صوّان من الذهاب أبعد. فما الذي يحول دون حملة مماثلة اليوم؟ لا شيء، تتابع المصادر. لكن في رأيها، الكلّ سيفكّر مرتين قبل التجرؤ على الاعتراض. ذلك ان الناس “قرفانة” بما فيه الكفاية من اداء الطبقة السياسية، ولن تتمكّن من “هضم” اي محاولة من قِبَلها، للتهرب من التحقيقات او تطييرها. كما ان عيون المجتمع الدولي مفتّحة جيدا على بيروت، وهو يضع تحت مجهره اداءَ المنظومة ليس فقط “حكوميا” بل في ملف المرفأ ايضا، بدليل موقف السفيرة الاميركية دوروثي شيا من هذه القضية امس. هذه العوامل الضاغطة، التي كانت موجودة في السابق، لكن باتت اقوى اليوم، يُفترض ان يأخذها اهل الحكم في الاعتبار قبل الاقدام على اي دعسة ناقصة.
فهل نكون امام قرار ظني مفصّل في 4 آب المقبل، يحدّد المسؤولين من اعلى الهرم الى اسفله، عن مقتل وتشريد واصابة الآلاف منذ عام، ويشير بالمباشر، الى الجهات التي ادخلت الامونيوم الى بيروت وخزّنته في قلب العاصمة وبين أهلها؟ الجواب في يد بيطار والاتّكال كبير عليه لئلا يتراجع، خاصة وان الشعب الجريح والمجتمع الدولي، في صفّه… تختم المصادر.