لست واثقة ما إذا كان قرار المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بالادعاء على جميع المسؤولين الذي ادعى عليهم أتى مفاجئاً لأحد.
عملياً البيطار ثبّت خطوات سلفه القاضي فادي صوّان، وإن عمد إلى تصحيح بعض الشوائب في الشكل، ولا يمكن لأي قاضي تحقيق عدلي أن يُغفل مسؤولية جميع المسؤولين الذين كانوا يعلمون بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ولم يتحرّكوا، إضافة إلى المسؤولين والقضاة الذين أشرفوا أو سهّلوا عملية إفراغ حمولة الباخرة وتخزينها في مرفأ العاصمة.
ليس مهمّاً الدخول في تفاصيل المهاترات المتوقعة بين السلطة السياسية والأمنية من جهة وبين المحقق العدلي من جهة ثانية، وما إذا كان أهل السلطة سيؤمنون لأنفسهم المخارج القانونية لعدم المثول أمام البيطار، وخصوصاً أنه سيكون من الصعوبة عليهم بمكان إحراجه لإخراجه كما حصل مع سلفه صوّان. قد يكون السيناريو الأمثل هو في اتخاذ كل خطوات المماطلة القانونية الممكنة والبحث عن اجتهادات قانونية تمنع مثولهم، أو على الأقل تمنع الادعاء عليهم في القرار الظني المنتظر.
الأساس يبقى في مكان آخر، وهو في مدى قدرة البيطار على الولوج إلى عمق الجريمة والإجابة عن أسئلة محددة، ومنها:
ـ من أتى بباخرة النيترات إلى بيروت ولمصلحة من؟ من اشتراها ومن خطّط للسيناريو الهوليودي لتصل الباخرة إلى مرفأ بيروت وتدّعي الغرق لإفراغ الحمولة؟
ـ من خطط وكتب ونفّذ سيناريو إفراغ حمولة الباخرة في العنبر رقم 12 وأجرى كل الاتصالات اللازمة وأمّن الموافقات المطلوبة؟
ـ من كان يُخرج كميات النيترات من العنبر رقم 12 منذ العام 2014 وحتى تاريخ الانفجار؟ وإلى أين كانت تذهب مئات الأطنان منها؟ بحماية من؟ ولأي وجهة استعمال؟
ـ كيف تم تفجير نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت ما أدى إلى تفجير العاصمة في أضخم انفجار غير نووي في العالم؟
قبل الإجابة عن كل هذه الأسئلة وسواها تبقى ادعاءات القاضي البيطار بمثابة إبرة مورفين لأهالي ضحايا المرفأ ولجميع اللبنانيين. فما حصل هو أخطر من جريمة حرب وجريمة إبادة ضد الانسانية، ولا يمكن لأي قاضٍ أو لأي قضاء أن يحوّلها إلى جريمة إهمال أو تقاعس، رغم ثبوت هذين العاملين حتماً.
الأساس في أي تحقيق أو قرار ظني أو محاكمة هو أن يتوجّه إلى المخططين والمدبّرين والمنفذين، لا أن يقتصر الموضوع على المقصّرين. وفي هذا الإطار فإن ما يلفت الانتباه هو ابتعاد القاضي البيطار عمّن يؤمن اللبنانيون بأنهم يقفون خلف شراء النيترات واستيرادها واستعمالها في سوريا وغيرها، كما في ابتعاده عمّن استطاع أن يؤمن الحماية للعنبر رقم 12 طوال 7 أعوام، تماماً كما استطاع إخراج أكثر من ألفي طنّ منها طوال الأعوال التي سبقت الانفجار.
أكثر ما يخشاه اللبنانيون أن يتكرر سيناريو المحكمة الدولية فيتبيّن أن “سليم عياش” جديداً هو من اشترى وشحن وخزّن وفجّر النيترات، ويتم تطويبه من بين القديسين، وتُسدل الستارة على أخطر جريمة في التاريخ الحديث.
ملاحظة أخيرة وأساسية: الكلام لا يهدف على الإطلاق إلى التشكيك بقرارات القاضي البيطار، إنما للتأكيد على أن اللبنانيين لن يقبلوا بتعويض شكلي ولا باستعراضات إعلامية وسياسية، وعلى أن المطلوب بكل بساطة رأس الأفعى وليس ذنبها!