كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
حتى ساعة وصوله عصر امس الى بيروت لم يكن مقرراً ان يزور الرئيس المكلف سعد الحريري رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو ان كل المعطيات كما مصادر الطرفين توقعت حصول اللقاء وان يحسم الحريري موقفه في غضون ساعات، وسط نتيجة حاسمة للثنائي تقول إنه بات من الصعب على الحريري ان يكمل تكليفه طالما بقي كل طرف على موقفه.
ما ان أعلنت عودته الى البلاد حتى انشغل الجميع في الاستفسار عما ينوي الرئيس المكلف سعد الحريري فعله، في حين بقيت زيارته الى مصر محور تساؤلات وشكوك حول اللقاءات التي عقدها.
المرجو ان يحرك ساكناً في ملف تشكيل الحكومة لكن التوقعات بأن الرئيس المكلف لا يزال في حيرة من أمره، وتوقيت الاعلان عن قراره النهائي او خطواته النهائية لم يحسم بعد. المؤكد الوحيد زيارة الحريري لرئيس مجلس النواب نبيه بري يتقرر على أثرها مصير الحكومة ورئيسها المكلف.
ساعات حاسمة يتحدث عنها المعنيون مباشرة بملف تشكيل الحكومة يتوضح بعدها المشهد الحكومي. لا آمال معقودة ولا ايجابيات متوقعة ذلك ان الاطراف الساعية لتقريب وجهات النظر بين باسيل والحريري انتهت الى استنتاج مفاده ان التعايش بينهما مستحيل، وحتى لو نجحت المساعي وأجبر الطرفان على التعاون في سبيل تشكيل الحكومة، فوضع هذه الحكومة سيكون محكوماً بالفشل حكماً بسبب التباين والخلاف المستمر بينهما وانعدام الثقة العميق الذي صار يحكم علاقتهما.
يمكن اعتبار لقاء الحريري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مفصلياً بخاصة وان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، غادر المشهد الحكومي في اعقاب تفويض أمره حكومياً لأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله. ولذا فهو ينتظر ما سيخرج به “حزب الله” من نتائج لمساعيه باتجاه الرئيس المكلف والذي ينتظر بدوره حصيلة زيارة متوقعة للحريري الى عين التينة. وتقول المعلومات المتداولة هنا ان بري اشترط على الحريري تسمية الشخصية البديلة عنه قبل اعتذاره، تجنباً للتجارب المرة التي سبق وان حصلت في الفترة الماضية.
ومن فحوى المواقف المعلنة وتلك التي تشهد عليها الكواليس، يمكن الاستنتاج أن الثنائي الشيعي بات على قناعة تامة، وأكثر من أي وقت مضى، بضروة حسم مسألة الحكومة والتفاهم على الخطوات المقبلة لوقف هدر المزيد من الوقت واستفحال الأزمة، بينما البلد لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة، وان استمرار الحريري رئيساً مكلفاً اشهراً اضافية لن يساعد في ازالة العراقيل، طالما بقي “التيار الوطني الحر” على موقفه الرافض لترؤس الحريري للحكومة وتقديم تنازلات تؤمن له ولادة حكومته.
يتعاطى الكل مع الاعتذار كأمر واقع لا محالة، لكن مصادر متابعة رأت ان قرار الحريري لم يعد في يده بقدر ما يتوقف على موقف بري، الذي وان كان لم يعد بمقدوره تغطية الحريري الذي احرج كل من حوله حتى اصدقاءه، فهو يحتاج الى اتفاق مسبق على مرحلة ما بعد الحريري ومن سيأتي بعده وشكل الحكومة المقبلة التي يفترض ان تشكل سريعاً. تستبعد المصادر ان يدخل بري في مغامرة الموافقة على اعتذار للحريري من دون تأمين البديل، اذ لا يكفي للحريري ان يزكّي تكليف مصطفى اديب او غيره لرئاسة الحكومة من دون وجود ضمانات بتسهيل مهمته، اي الاتفاق على شكل الحكومة واعضائها والمهمات المطلوبة منها، وحينها ستولد الحكومة في غضون 48 ساعة.
بتقديرها ان الجميع بات مأزوماً ولا يرى جدوى من الذهاب الى استشارات من دون اتفاق مسبق او تسوية على المرحلة التالية، إذ من يضمن ان يكون التعاطي مع اي رئيس مكلف كما تم التعاطي مع الحريري؟ وهل يمكن لـ”حزب الله” هنا ان يشكل ضمانة بمونته على رئيس “التيار الوطني الحر”؟ أم أن العمل خلافاً لارادة رئيس الجمهورية و”التيار الحر” يشكل خطاً احمر بالنسبة له؟ تشكك المصادر بامكانية اي طرف تقديم ضمانات وبالتالي فالبلد سيغرق في أزمته في ظل تكليف لا أفق له.
لكن مصادر اخرى تعمل على خط الوساطة تؤكد استحالة الاتفاق المسبق بالنظر الى ما هو حاصل حالياً، حيث تمّ التكليف فيما لم يلتزم اي طرف مع الآخر في التأليف. التجربة الحالية للحريري تدفع المصادر الى عدم التأمل والذهاب بعيداً، ولو ان هدف رئيس مجلس النواب والثنائي عموماً تشكيل حكومة في نهاية المطاف تريح البلد، لكنه هدف دونه عراقيل أيا كان رئيس الحكومة المكلف. ما يزيد على تسعة اشهر مصيرها سيتحدد في غضون ساعات، التشكيل بات معجزة في عصر قلّت فيه المعجزات، أما بديل الحريري فقد بات المجهول الذي يحدد هويته الحريري قبل غيره.