كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
لم يشكل قرار المحقق العدلي طارق بيطار مفاجأة لأهالي شهداء وضحايا إنفجار الرابع من آب الذين كانوا على يقين بمآل التحقيق بحذر وترقب، لتتحول معركتهم اليوم نحو مواجهة إسقاط الحصانات التي سترفع لعرقلة مسار التحقيق والعدالة، كون قدسيّة الدماء التي سالت تعلو جميع الخطوط الطائفية والمذهبية والنيابية كما الرئاسيّة، مؤكدين الإصرار على إسقاط “الخطوط الحمر” ومن يقف وراءها، وصولاً إلى حدّ المواجهة المباشرة وتعقب المتوارين عن المثول أمام العدالة، كون قضيتهم قضيّة حق، والذرائع الواهيّة لم تعد تجدي، أكانت من المستدعيين إلى التحقيق، أو من الكتل النيابيّة التي ستخوض إمتحان “الحق والعدالة” أمام الرأي العام المحلي والدولي.
وعن “حسن النيّة” التي أبدتها الشخصيّات الواردة أسماؤها ضمن لائحة الإستدعاءات للمثول أمام القضاء، أشار وليَم شقيق شهيد فوج الإطفاء جو نون إلى أنّ العبرة تبقى في وصول التحقيق إلى خواتيمه، وعدم محاولة تضليل المحقق العدلي في “سيناريوات” لا تمت إلى الحقيقة بصلة، بعد أن وصلت إليهم الرواية التي قدمها الرئيس حسّان دياب أمام وفد من أهالي الضحايا خلال لقائهم الأخير معه والتي تضمنت معطيات مخالفة لما توصل إليه التحقيق، مؤكداً في الوقت نفسه لـ “نداء الوطن”، مواكبة أهالي الشهداء نقابة المحامين والمجلس النيابي في الخطوات الهادفة إلى رفع الحصانات عن النواب والمحامين والأمنيين من أجل مثولهم أمام القضاء، من خلال سلسلة خطوات تبدأ مع الوقفة الشعبيّة أمام قصر العدل الإثنين تزامناً مع اللقاء الذي يجمع وفداً من أهالي الشهداء مع المحقق العدلي للإطلاع منه على مسار التحقيق، والوقوف إلى جانبه من خلال التأكيد على الإحتضان الشعبي له بوجه التهويل الممنهج الذي بدأه البعض، لحثه على التراجع عن الخطوات الجريئة التي أقدم عليها، قائلاً: “نحن سنشكل الدرع الأساسي للقاضي بيطار وصولاً إلى تأمين الحماية اللازمة له إن اقتضى الأمر”.
بدوره، أوضح المتحدث باسم اهالي الضحايا ابراهيم حطيط أن الرئيس حسّان دياب سبق أن تعهد أمامهم المثول أمام المحقق العدلي، والقيام بكافة الإجراءات الإدارية التي تصبّ في خدمة التحقيق ومنها إعطاء الإذن لملاحقة اللواء طوني صليبا، مشيراً إلى أن القاضي بيطار أخذ متّسعاً من الوقت لقطع الطريق أمام الذرائع الواهية التي تلطى بها البعض لعرقلة سير العدالة، مشدداً في الوقت نفسه على أهميّة مواكبة الكتل النيابيّة من خلال التحركات الشعبيّة لحثهم على تأييد رفع الحصانات النيابيّة، واعتبار أي كتلة لن تصوت على رفع الحصانة متواطئة في الجريمة.
حطيط حيّا أمس مهنيّة وجرأة القاضي بيطار خلال وقفة رمزيّة أمام البوابة رقم 3 في ذكرى مرور 11 شهراً على المجزرة التي ارتكبتها منظومة الفساد، وقال: “نقف في ساحة الاعدام لنقول إن الاستدعاءات الاولية للمحقق العدلي طارق بيطار جاءت كضربة للسلطة بحيث احترمت الاصول القانونية”، ودعا بيطار إلى “المضي بطريق الحق والعدالة فهذه القضية لم تعد قضيتنا وحدنا فحسب، بل قضية بلد بكامله وأنت اختارك الله لإحقاق الحق”.
حطيط لم يوفّر وزير الداخليّة محمد فهمي في كلمته متوجهاً إليه بأشــد التعابير بعد رجوع الأخير عن تصـــريح سابق له بإعطاء الإذن بملاحقة اللواء عبّــاس إبراهيم، داعياً إيّــــاه إلى عــدم الجمـــع بين ملف التفجير والملفات الأخرى، مشدداً على أن الجريمة ترقى الى مستوى جريمة حرب وخيـــانة عظمى يجب أن تسلك المســــار القانوني الصحيـــح، بعيداً من الحصانات السياسيّة والطائفيّة والقانونيّة. وفي السياق، أكدت ميراي والدة الضحيّة إيلي خوري أنه اعتباراً من الغد (اليوم) سيكون القضاء أمام إمتحان كبير للعدالة، والمسؤولون والنواب كما نقابتا المحامين في بيروت والشمال أمام إمتحان رفع الحصانات، داعية المسؤولين إلى وضع أنفسهم مكان أهالي الضحايا والتصرف وكأن الضحايا هم من أبنائهم، متسائلة في الوقت نفسه عن كيفية الحديث عن حصانات والتلطي خلفها في ظل انفجار بهذا الحجم.
وخلال الوقفة ألقت رئيسة جمعية أهالي ضحايا إنفجار بيروت ماريانا فودوليان كلمة أكّدت خلالها أنّ لا أحد أغلى من الأرواح والدماء، ودعت إلى الإسراع في رفع الحصانات من دون تأخير، كون المطلب الأساسي هو الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة، بعيداً من التسييس.
بدورها طالبت رئيسة الإتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس إنصاف الأشخاص الذين استجد عندهم إعاقة دائمة بسبب الإنفجار.
وإلى جانب أهالي الشهداء والضحايــا، برزت دعــوات شعبيّة على وسـائل التواصل الإجتماعي لمواكبة القاضي بيطار في الإجراءات التي يقوم بها، والتي أكّدت على سياق تحقيقات القاضي فادي صوّان، رغم استماعه مجدداً إلى الموقوفين، والإطلاع على كافة التقارير الميدانيّة التي قدمتها جهات محليّة وأجنبيّة، لتبقى العبرة في القرار الظني والتوقيفات والمحاكمة العادلة، وصولاً إلى معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا والشهداء.
وأمام تطور الحملات الإعلانيّة لحماية الذين تم استدعاؤهم إلى التحقيق، فهل سيسمح فعلاً للقضاء اللبناني بكشف حقيقة ثالث أقوى إنفجار في العالم؟ إذا كان طريق مثول المشتبه فيهم أمام المحقق العدلي آمناً، فهل من يضمن “أمن” المسار الذي سيسلكه التحقيق؟
وهل سيقف المحقق العدلي عند الموظفين الذين كانوا يعلمون بوجود النيترات المتفجر، أم أن التحقيق سيرشدنا إلى الجهات التي أتت بـ”المتفجرات” والأسباب الكامنة وراء تفجيرها وما إذا كان عملاً عدوانياً؟