كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
بين الاعتذار المؤجّل والتشكيل المتعذّر، لا يزال البلد المترنّح رهينة بعض الأمزجة الشخصية والمتقلبة، الى حين تسديد «فدية» تحريره. وفي الوقت الضائع، يُرسم أكثر من سيناريو مفترض للمرحلة المقبلة، فما هي الاحتمالات؟
لم يعد خافياً انّ رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» يتمنيان اعتذار الرئيس سعد الحريري أمس قبل اليوم. هذا هو طموحهما «الخام»، اما اذا تعذّر «تكريره» وتحويله وقوداً سياسياً، فلا أقل من حكومة وفق المعايير التي يفترضان انها صحيحة، وعندها يمكن التعايش مع الحريري ولو بلا شهية.
أمّا في حال لم ينجح مسعى عون و»التيار» لدفع الحريري الى الاعتذار الطوعي او التشكيل «الآمن»، فإنّ اللجوء الى خيار استقالة تكتل «لبنان القوي» من مجلس النواب سيصبح حتمياً في توقيت معيّن لفرض إجراء انتخابات مبكرة تعيد خلط الأوراق، وبالتالي تسمح بانتزاع التكليف من الحريري.
حتى الآن، لا يزال التيار يتفادى استخدام هذه الورقة لسبب أساسي، كما توضح مصادره، وهو الخوف من استثمارها لإحداث فتنة أو فوضى داخلية، تحت شعار انّ الطرف المسيحي استقال من المجلس النيابي حتى ينقلب على التوازنات الداخلية وينتزع التكليف قسراً من الممثل الاقوى للسنّة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية وحادة لدى شريحة واسعة من الطائفة السنية، «وهذا ما لا يتحمّله البلد المثقل بالازمات».
وقد أتت الأحداث الأخيرة في طرابلس لتعزز الشعور لدى التيار بأنّ الأرض المحتقنة مهيّأة لفلتان واسع، وانّ شرارة واحدة خصوصاً إن اتخذت طابعاً طائفياً ستكون كافية لإشعال حريق كبير.
ويضاف الى هذا الاعتبار، انّ التيار الذي سبق له أن استعان بـ»حزب الله» لإيجاد مخرج مُنصِف، سينتظر بعض الوقت لكي يتّضِح ما يمكن أن يؤول اليه مسعى الحزب، محاولاً قدر الإمكان تجنّب إحراج حليفه الذي يرفض الانتخابات المبكرة.
ولكن «التيار الوطني الحر» لن ينتظر الى ما لا نهاية المبادرات والوساطات، وهو حدّد لها ولنفسه مهلة ضمنية، فإن تم عبورها من غير حصول التشكيل أو الاعتذار، سيُبادر الى الاستقالة النيابية على قاعدة أنه ممنوع ان يبقى العهد بلا حكومة أصيلة حتى ختام الولاية الرئاسية، إذ انّ عون لن يقبل بتاتاً التعايش مع الفراغ الحكومي أو تصريف الاعمال، وفق تأكيد العارفين.
أمر وحيد سيتغيّر اذا استمر التأخير في التأليف، وهو انّ حكومة الإصلاحات ستُستبدل بحكومة الانتخابات التي تستوجب حسابات من نوع آخر. وهنا، يلفت مصدر برتقالي الهوية الى انّ الانتخابات النيابية المقبلة ستجري قبل الرئاسية، أي قبل انتهاء ولاية عون، مشيراً الى انّ هناك احتمالاً كبيراً بأن تفرز صناديق الاقتراع واقعاً جديداً على صعيد القوى التمثيلية والأحجام السياسية نتيجة تحولات داخلية وخارجية، «بحيث انّ لدينا أملاً في انّ الصورة التذكارية التي سيتوسّطها عون لحكومة ما بعد الانتخابات، ستضمّ الى جانبه رئيسين جديدين لمجلسي النواب والوزراء».
اكثر من ذلك، يُعرب المصدر عن اقتناعه بأنّ «القوات اللبنانية» لن تصبح الكتلة المسيحية الأكبر عقب الانتخابات المقبلة وانّ حجمها سيزيد في أحسن الحالات نائباً او اثنين فقط، كما تُبين كل استطلاعات الرأي التي أجرتها شركات الإحصاء حتى الآن، مشدداً على انه لم يحدث تسرّب من قواعد التيار في اتجاه معراب، فهذا شبه مستحيل، الى جانب أنّ الأكثرية الساحقة ضمن الفئة الرمادية أو التي ليست منتمية حزبياً لا تبدو في وارد تأييد «القوات».
إلّا أنّ اوساطاً سياسية تقف على مسافة من التيار تعتبر انّ استنتاجاته في شأن توازنات المرحلة المقبلة غير واقعية، لافتة إلى «انّ الارجح هو انّ الانتخابات النيابية المقبلة ستعيد تثبيت الموقع المتقدم لرئيس مجلس النواب نبيه بري في الطائفة الشيعية وللرئيس سعد الحريري في الطائفة السنية، خصوصاً بعدما ساهم سلوك التيار في شَد عصب كلّ منهما مجدداً داخل بيئته. وبالتالي، فإنّ الأول سيعود الى رئاسة المجلس والثاني سيكون المرشح الاقوى لرئاسة الحكومة، ولذلك سيجد عون نفسه محاطاً بهما في الصورة التذكارية التي ستلتقط في بعبدا لحكومة ما بعد الانتخابات.
وتلفت الاوساط الى أنه طرأ في المقابل تعديل كبير على مزاج جزء واسع من المسيحيين، الأمر الذي يجب أن يتنبّه إليه التيار ويتعاطى معه بجدية، وإلّا سيدفع ثمن المكابرة غالياً في صناديق الاقتراع.