كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
يمعن رئيس الجمهورية ميشال عون الاستئثار بالدستور الذي يحدد صلاحياته بممارسة مهامه في سدة الرئاسة وادارة السلطة من ناحيتين، الاولى يقبض على توقيعه على مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، رافضا التوقيع على التشكيلة الوزارية التي قدمها اليه الرئيس المكلف سعد الحريري بعد ١٨ لقاء تشاوريا بينهما، معللا اصراره على هذا الرفض بجملة من الذرائع الواهية، تكرس شروطا ومطالب تتجاوز النصوص والصلاحيات الرئاسية، وفي خلاصاتها المبطنة، محاولة مكشوفة لتنفير الرئيس المكلف وافشال متعمد لمهمته ودفعه قسرا للاعتذار. لماذا؟لانه منذ البداية لم يحبذ رئيس الجمهورية مع وريثه السياسي النائب جبران باسيل، تسمية، ثم تكليف الحريري من قبل اكثرية مجلس النواب بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة خلافا لرغبتهما، ولم يلب مطلب الرئيس عون بالمرور الإجباري في التشاور على مكونات التشكيلة الوزارية، مع وريثه السياسي، للاخذبمطالبه وشروطه في الاستمرار باحكام قبضته على الوزارات والمراكز الوازنة بالدولة خلافا للدستور. لذلك يقبض عون على توقيعه الرئاسي تحت حجج مختلقة وأسباب ملتوية، ويرفض التوقيع وإصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، مستغلا هذه الصلاحية الدستورية لمصالحه الشخصية والسياسية على حساب المصلحة الوطنية العليا. هل صلاحية رئيس الجمهورية في رفض التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة مطلقة، وهل له الحق في ممارسة هذه الصلاحية الى ما لانهاية، بمعزل، ما إذا كان محقا في ممارسته، ام لم يكن، دون مساءلة او وضع حدلهذا التصرف؟
النص الدستوري لا يحدد آلية لمساءلة رئيس الجمهورية او اجباره على التوقيع على مراسيم التشكيلة الوزارية. وفي مثل هذه الحالة يعني التسبب بأزمة في تشكيل الحكومة، وترك عملية التشكيل معلقة، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية واهتزاز في الحياة السياسية، وبالطبع على واقع البلد كله.
الناحية الثانية التي يخالف فيها الدستور ويتجاوز صلاحياته، في ظل استقالة حكومة حسان دياب، محاولته المستمرة الاستئثار بصلاحيات مجلس الوزراء ودوره في ادارة السلطة، وتنصيب نفسه رئيسا للمجلس خلافا لكل النصوص الدستورية التي تحدد صلاحياته بدقة. فتارة نراه يرأس اجتماعات مالية واقتصادية بغياب رئيس الحكومة اوحتى الوزراء المعنيين، ويتخذ قرارات تحتاج لموافقة مجلس الوزراء، كما حصل في اكثر من اجتماع مؤخرا ولا سيما ما يتعلق بمواصلة سياسية الدعم للمحروقات، وتارة اخرى يدعو المجلس الاعلى للدفاع للاستعاضة عن اعادة تعويم الحكومة المستقيلة، ويناقش مسائل وقضايا ويتخذ قرارات ليست من صلاحية المجلس ولاتتعلق بمهامه المنصوص عنها في قانون انشائه. وهكذا أصبح الدستور مطية بيد رئيس الجمهورية، والصلاحيات اصبحت غب الطلب. فهي متاحة متى أراد ممارسة الحكم بمفرده كما يحصل حاليا، وليست موجودة عندما يريد التهرب من الفشل في ملفات وقضايا مهمة كالكهرباء وغيرها، اوكما قال للصحافيين للتهرب من المسؤولية بانفجار مرفأ بيروت العام الماضي، عندما أكد انه تبلغ بوجود المواد المتفجرة من الجهات الأمنية المختصة من قبل، ولكن صلاحياته لاتسمح له بالتدخل لمعالجتها.
ترك عملية التشكيل معلقة يترتب من تداعيات سلبية في الحياة السياسية وعلى واقع البلد كله
وكما نحن فيه اليوم، حالة امتناع رئيس الجمهورية عن التوقيع على مراسيم التشكيلة الوزارية المتوازنة والمدورسة بدقة متناهية، التي قدمها اليه الرئيس المكلف منذ مايقارب الثمانية اشهر استنادا للمبادرة الفرنسية، تحت سيل من الحجج المختلقة والاباطيل، التي تخلص بأن الرئيس، في ممارساته بالامتناع عن التوقيع، انما يسعى لاستعادة صلاحيات ما قبل اتفاق الطائف للرئيس المسيحي، وبأنه يريد أن يفرض هذا الواقع السياسي بقوة الامر الواقع، لاستعادة التوازن بالسلطة، باعتباره الرئيس القوي وما شابه من توصيفات وتعابير العنجهية والتعالي.
وفي حالة الاستئثار بالسلطة التي يمارسها رئيس الجمهورية حاليا، بتوجيه من وريثه السياسي النائب جبران باسيل، واصراره على ممارسة حكم الرأس الواحد وإدارة البلاد في ظل استقالة حكومة حسان دياب خلافا للدستور، والصلاحيات الرئاسية، هل كرس رئيس الجمهورية بممارساته اللادستورية والفاشلة، معادلة الرئيس القوي بالفعل كما يروج فريقه المخادع؟ الواقع السياسي المختل وعدم انتظام السلطة والاهتراء المتسارع في المؤسسات الدستورية وحالة الانهيار المتسارع على كل الصعد الاقتصادية والمعيشية التي يرزح تحتها اللبنانيون، يعطي الصورة الحقيقية للرأي العام، عن حالة الرئيس عون بعد اربع سنوات ونصف من هذه الممارسة الدستوريةالعبثية الفاشلة التي، لم تؤد الى انحدار العهد إلى الحضيض وعزلة الرئاسة عن معظم القوى السياسية فقط، بل إلى اضعاف رئيس الجمهورية لبنان الى ادنى درك، لم يبلغه اي رئيس جمهورية من قبل. واقوى مؤشر على هذا التوصيف، الحالة الماساوية التي وصلت اليه حالة الناس و البلد اليوم، تحت الشعارات والعناوين الكاذبة والخادعة التي لا تتوقف، في حين لم تنفع حتى الساعة كل محاولات اعادة تعويم الوريث الى ماكان عليه قبل الانتفاضة الشعبية الواسعة.