كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
هجوم ديبلوماسي عنيف تعرض له رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب خلال استقباله السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية في لبنان. إستدعاهم ليشكو لهم فشنّوا عليه وعلى غيره من المسؤولين أعنف هجوم يتعرض له رئيس حكومة في لبنان. كان يمكن لمثل هذا الكلام ان يكون مثار استنكار بالنظر الى توجيهه الى رئيس حكومة، لولا ان الديبلوماسيين وللأسف لامسوا الواقع على حقيقته المرة، وكان يمكن القول انه شأننا ولا دخل لهم لولا ان استعنا بهم واستنجدنا بمساعدتهم ومن يدق الباب لا بدّ ان يسمع الجواب.
بالاستناد الى المتعارف عليه بكثرة المستشارين حوله، فليس معروفاً بعد من الذي نصح رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب باستضافة السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية في لبنان، الى لقاء غابت عنه ورقة العمل المعدة مسبقاً. اجتماع خصص لكلمة منقولة مباشرة على الهواء لدياب اطل من خلالها على امتداد ما يزيد على عشر دقائق، شاكياً الحصار الدولي على لبنان مستنجداً بالدول الصديقة لمساعدة لبنان.
فالوزراء في حكومة تصريف الاعمال الذين حضروا كذلك السفراء المعتمدون والذين غاب عنهم السفير السعودي وليد بخاري، لم تكن لديهم فكرة مسبقة عن هدف اللقاء ولا الموضوعات المدرجة على جدول البحث. لبى وزير المالية غازي وزني الدعوة لاجتماع في السراي ليتبين له لاحقاً ان الاجتماع مخصص للسفراء والبعثات الديبلوماسية، كذلك استفسر هؤلاء لدى وصولهم عن موضوع الدعوة واسبابها، ليتبين ان دياب الذي حدد لحكومته تصريف أعمال في نطاقها الضيق، أطل ينصح الدول الصديقة ان الحصار المفروض يدفع ثمنه الشعب محذراً من ان لبنان على شفير كارثة، وكأنه لا يعلم ان تقاعس حكومته عن مسؤولياتها هو الكارثة بحد ذاتها.
بكلمة لم تأت بجديد ارتأى رئيس حكومة لبنان ان يشكو امره وأمر المسؤولين الى الدول الشقيقة والصديقة من خلال ممثليها. ولكن حصل ما لم يكن في حسبانه، حيث غابت اللياقات الديبلوماسية عن اصول المخاطبة بين الرئيس وضيوفه ليتعرض الى هجوم عنيف على ما قاله، لا سيما ذاك المتعلق بالحصار الدولي المفروض على لبنان. إنتفض ممثلو الدول لكرامة دولهم فيما كان وضع لبنان في الحضيض.
دعا دياب “العالم لإنقاذ لبنان”، وناشد “الأشقاء والأصدقاء أن يقفوا إلى جانب اللبنانيين” ولأن “القاعدة الشرعية تقول “لا تزر وازرة وزر أخرى”، دعا لعدم محاسبة الشعب اللبناني على ارتكابات الفاسدين، وتابع: “ساعدونا في إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان”، وأضاف: “أصبح ربط مساعدة لبنان بتشكيل الحكومة يشكل خطراً على حياة اللبنانيين وعلى الكيان اللبناني، لأن الضغوط التي تُمارس والحصار المطبق على لبنان لا يؤثر على الفاسدين، بل يدفع الشعب اللبناني وحده ثمناً باهظاً يهدد حياته ومستقبله كما يهدد لبنان كنموذج ورسالة في العالم”، وقال: “لبنان واللبنانيون على شفير الكارثة”.
واستدعت مواقف دياب ردوداً من غالبية السفراء فعقبت السفيرة الفرنسية آن غريو مذكرة دياب بالمساعدات التي قدمتها بلادها الى الشعب اللبناني مؤكدة ان الحكومة اللبنانية يجب ان تساعد نفسها وشعبها، مشيرة الى ان الاصلاحات لا تعتبر كذلك الا اذا دخلت حيز التنفيذ والتطبيق، وقالت غريو ان الحكومة المستقيلة قادرة، حتى في وضع تصريف الاعمال، ان تفاوض الهيئات المالية الدولية لمعالجة التدهور الخطير الذي وصل اليه الوضع في لبنان. وقدمت ما يشبه برنامج عمل للمرفأ والكهرباء وقالت نحن سبق وان وقفنا الى جانب لبنان ولكن اين هم اللبنانيون والسياسيون في لبنان؟ ولماذا لم يفعلوا شيئاً للحد من الهدر ومكافحة الفساد؟ وحمّلت غريو مسؤولية ما آل اليه الوضع في لبنان الى ادارة خاطئة من المسؤولين في الدولة الذين تعاقبوا، في وقت يستمر ارتكاب الاخطاء.
وقالت: “نعم الوضع مخيف، لكن المخيف دولة الرئيس هو أن الافقار القاسي اليوم هو نتيجة هذا الانهيار، وهو نتيجة لسوء الادارة والتقاعس عن العمل لسنوات، وليس نتيجة حصار خارجي، بل نتيجة مسؤوليات الجميع لسنوات، مسؤوليات الطبقة السياسية. هذه هي الحقيقة”.
واعتبرت السفيرة الاميركية دوروثي شيا في مداخلة لم تخلُ من الحدة ان تحميل مسؤولية الأزمة لاصدقاء لبنان هو أمر مجافٍ للحقيقة، متسائلة عن مدى جدوى برامج المساعدات في ظل غياب نهج اصلاحي، وفي ظل خطط لم تقترن بالتطبيق مشيرة الى مساعدات بلادها لمختلف القطاعات لا سيما الجيش، وتابعت: “نساعدكم وانتم تشتموننا عبر شاشات التلفزة”.
وأيّد السفير البريطاني كلام زملائه مطالباً دياب بالقيام بخطوات مسؤولة من خلال تفعيل حكومة تصريف الاعمال، كما دعا المسؤولين الى سرعة تشكيل حكومة في حين سألت السفيرة الايطالية نيكوليتا بومباردييري عن المؤسسات في لبنان، وقالت: سبق وان تقدمنا بجملة مشاريع في قطاع الكهرباء والمياه والصرف الصحي كلها توقفت بسبب غياب الدولة والمؤسسات.
أما السفير الكويتي عبد العال القناعي فتوجه الى دياب بالقول: “أعتبر انك لم تقصد ما قلته. ساعدوا انفسكم كي نساعدكم. كلنا وقفنا الى جانب لبنان ولا احد من الدول المشاركة لم يقف جنبه، ولكن اين هم السياسيون واين حكومة تصريف الاعمال من دورها واين الحكومة المفترض ان تتشكل؟”.
ولوحظ ان النقل المباشر للاجتماع مع السفراء والديبلوماسيين توقف بعدما استمر الى ما بعد انتهاء كلمة رئيس الحكومة، ليقطع على مداخلات السفراء الذين اجمعوا على رفض الحديث عن حصار خارجي للبنان، مطالبين حكومة تصريف الاعمال بأن تقوم بدورها وبسرعة تشكيل الحكومة. وما كان يُفترض ان يكون مناسبة لمساعدة لبنان تحول بفعل سياسة التهرب من المسؤولية سجالاً، مع من وصفهم دياب رسُل لبنان في دولهم وأثار بلبلة بين المجتمعين الذين سجلوا سابقة بالرد على كلام رئيس الحكومة، ورفض اتهاماته ليتبين ان ممثلي الدول المعتمدين في لبنان خلعوا القفازات الديبلوماسية وأظهروا فيضاً من الغيظ تجاه المسؤولين في لبنان، ولم يتردد بعضهم في توجيه عبارات قاسية بحق المسؤولين في لبنان واتهام دياب وحكومته بالتقاعس عن القيام بدورهما، وعدم التفاوض مع صندوق النقد وتحميل الجميع مسؤولية عدم تشكيل الحكومة، وافتعال الازمات السياسية لأسباب شخصية لا تتناسب مع مصلحة الشعب اللبناني، لينتهي اللقاء بصورة فوضوية من دون تبادل السلام والتحية بين الديبلوماسيين ورئيس الحكومة، وتكون النتيجة وفق وصف مصادر ديبلوماسية “اجتماع بهدلة”، فيما تمنت مصادر اخرى لو “يقوم رئيس الحكومة بواجبه قبل ان يشكو أمره للآخرين”.