كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
ينطلق الرئيس المكلف سعد الحريري في اصراره على الاعتذار عن تشكيل الحكومة الجديدة من امرين اثنين، رفضه لاستمرار حال المراوحة والعرقلة المتعمدة لمهمته من قبل الفريق الرئاسي منذ تكليفه وحتى اليوم، تحت سلسلة متدرجة من الشروط التعجيزية والذرائع الكاذبة، بعد استنفاذ كل المساعي والجهودالمحلية والخارجية، لتسهيل ولادة حكومة المهمة، استنادا للمبادرة الفرنسية، ومحاولة تحميله زورا مسؤولية الازمة وتدهور الاوضاع على النحو المتسارع الذي تشهده البلاد على كل الصعد.
قراره بالاعتذار اتخذه منذ اكثر من شهر، وفاتح فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورؤساء الحكومة السابقين واعضاء كتلة المستقبل والعديد من الشخصيات، وتريث باعلانه في ضوء الرفض القاطع الذي ووجه به، وافساح المجال امام مهلة جديدة لتنفيذ مبادرة الرئيس بري التي اصطدمت بمسلسل التعطيل نفسه.عاتب على حزب الله الذي لم يساعد كما وعد بتسهيل تشكيل الحكومة، بل تماهى مع رئيس التيار الوطني الحر في في تعطيل المبادرة. يعلم بقرارة نفسه رفض مؤيديه القاطع، كما كل الذين يتحالف معهم لقراره بالاعتذار. ولكنه في المقابل، أصبح مقتنعا به، يتحسس بألم مع معاناة الناس اليومية، جراء ماوصلت اليه الأوضاع من تدهور على مختلف المستويات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، في ظل استنكاف المسؤولين الرسميين، رئيسا الجمهورية والحكومة المستقيلةومعظم المسؤولين، بموجب الدستور عن القيام بمهماتهم بممارسة السلطة وتسيير شؤون المواطنين والتخفيف عنهم. وفي قناعته لم يعد جائزا اختباء وتلطي رئيس الجمهورية وفريقه، وراء حجة التلكؤ بتشكيل الحكومة وعدم إعتذاره، للتهرب من مسؤوليتهم المباشرة والقانونية في تدهور الاوضاع ودفع الامور إلى الحضيض.
ولا بد من افساح المجال لتكليف شخصية اخرى لتشكيل الحكومةالجديدة، لان وجود أي حكومة اصيلة تتولى ادارة السلطة، وتسيير شؤون المواطنين، افضل من حال الفراغ القائم، ايا تكون الحكومة.فخطوة الاعتذار ستكشف لاحقا، حقيقة نوايا وتوجهات الفريق الرئاسي امام الرأي العام، وما إذا كانوا يريدون تشكيل حكومة جديدة، ام يسيرون بالبلد الى الجحيم الفعلي، الذي بشر به رئيس الجمهورية اللبنانيين شخصيا واصبحنا على اعتابه، لغاية ما في نفس يعقوب، لم تعد تخفى على احد، وهي التحضير للمؤتمر التاسيسي للانقلاب على الطائف. هذا لم يعد سرا، هو يرفضه وسيواجهه بكل قوة. من ناحية ثانية، لن يتأخر الحريري بالإعلان عن قراره بالاعتذار، يعمل على شرح حيثيات ودوافع قراره واقناع اكبر شريحة من مؤيديه بصوابيته برغم عدم قناعتهم به.معظمهم لايحبذه ويعتبره بمثابة تراجع وانتصار لخصومه، ولكنه يبرر قراره بأنه لايمكن ترك البلد على حالها المتدهورة بلا حكومة لاكثر من تسعة أشهر اضافية حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
مصلحة البلد والناس اهم من اي مصالح سياسية او شخصية.هناك من يدفع الوضع الى جهنم، لتحقيق مكاسب مصلحته السياسية الخاصة على حساب الام الناس ومعاناتهم، وهل هناك من يتخيل، ماذا يمكن ان يحصل خلالها من تدهور وتفلت غيرمحسوب؟. الان لم يعد الوضع مطاقا، ألناس لاتجد دواء، والكهرباء انقطعت بالكامل ولا بنزين اومازوت حتى. وهل حقوق المسيحيين مؤمنةاليوم بالوقوف في الطوابير مع سائر اللبنانيين للحصول على البنزين والدواء والخبز ؟ لن اكون شريكا في ذلك ولن اقبل على نفسي. لا يخوض الرئيس المكلف في مسألة تسمية بديل له لترؤس الحكومة الجديدة، كما تردد كمطلب من البعض لازالة الاعتراض على قراره وان كان يركز على شخصية محددة او اكثر في قرارةنفسه ولا يريدالبوح عنها في الوقت الحاضر.
لا يبدو مستعدا لتقديم قرار إعتذاره على طبق من فضة لخصومه. وفي المقابل، يبدي استعداده لتاييد ودعم اي شخصية لها مقومات وحيثية تولي هذا المنصب في هذا الظرف بالذات، وهي مهمة، ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض، لانها ستجمع اكثر من مهمة في مسؤولياتها، أولها، وقف حالة الانهيار الحاصل، اجراء الاصلاحات وحل الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان والإشراف على إجراء الانتخابات النيابية المقبلة. ويبقى ان قرار الاعتذار سيكشف لاحقا نوايا من يريد تشكيل الحكومة ومن يرفضها لغايات ومصالح حزبية وشخصية او خارجية.