أبعد من مجرد الاحتفال التاريخي بمئوية العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية، على اهميته، توقيته البالغ الدقة والاشارات التي ارسلها الى “من يعنيهم الامر” في شأن عدم تخلي المملكة عن لبنان وتركه للمصير الاسوّد الذي يرسمه “اتباع المحاور”، على رغم ابتعادها عنه ظرفيا، تواصلا وحضورا، بفعل سلوك السلطة السياسية البعيد عن هوية لبنان العربية لمصلحة المشروع الايراني المناهض في المنطقة.
كان يمكن للادارة السعودية ان تبقى على مسافة مما يجري وتترك لبنان يتخبط في انهياراته المتتالية، غير انها أبت الا ان تجدد الحرص على عمق العلاقات المسيحية- السعودية اولا ووجه لبنان المسيحي- الاسلامي الذي يعكس الرغبة الجامحة بالتمسك بالتعايش والشراكة، والاطلالة من بكركي تحديدا لتعلن ان “هذا لبنان الذي نريد”. لبنان الذي تجسده مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي السيادية من الهوية العربية الى الحياد. لبنان غير المنحاز الى المحور الايراني الذي دفع الشعب ثمنه انتقالا من الرخاء والبحبوحة والتطور والازدهار الى الفقر والعوز وهجرة الادمغة والانهيار.
وفي الاطلالة – العودة من الصرح البطريركي ايضا في هذا التوقيت بالذات، حيث يقبع لبنان على حافة الارتطام الكبير، مسلوخا عن هويته عنوة، رسالة تناغم مع مواقف سيد الصرح المنبعثة من الرحم الفاتيكاني، تزامنا مع الزخم الدولي والحراك الاميركي- الفرنسي- المصري- الفاتيكاني المنسق مع السعودية، لقناعة هؤلاء ان ليس من رافعة سياسية واقتصادية ومالية للبنان في مواجهة مشروع ايران سوى المملكة التي لطالما كانت نقطة الارتكاز الاساسية لهذا الوطن وتاريخها خير شاهد.
ما جرى في بكركي اليوم وما تضمن من مواقف تتصل بالعمق الاستراتيجي العربي للبنان والرسائل غير المباشرة للمسؤولين عن حرفه الى محور ورّطه في الحروب، لهو خير دليل الى ان لبنان ليس متروكا وقد قالها السفير وليد البخاري بالفم الملآن ” لا تسمح المملكة بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا المساس بنسيج العروبة تحت اي ذريعة.. لا شرعية لاي سلطة تتناقض مع ميثاق العيش المشترك، لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي ولا شرعية لمفهوم الاقلية امام هوية مسيحية اسلامية عربية جامعة.”
العودة السعودية القوية الى الساحة اللبنانية في مئوية العلاقة مع البطريركية، ليست محصورة في زمانها ومكانها والمناسبة، هي امتداد من نافذة بكركي الى شرفة الفاتيكان تلاقي تطلعاته وتتقاطع مع مشروعه للبنان العربي الهوية المحايد، النائي بنفسه عن صراعات الخارج، لبنان التنوع والانفتاح على العالم، لبنان الحوار والسلام..هكذا كان وهكذا سيبقى، متحدياً رغبات مستخدميه ورقة في صراعات الامم.