شيءٌ ما يجري في لبنان وحوله في ظلّ ارتسام سباقٍ بين محاولاتٍ غربية – عربية لتشكيل «شبكة أمان» تخفّف من وطأة «الارتطام الكبير» الذي يقترب منه الوطن الصغير وفي الوقت نفسه تضغط على الطبقة السياسية للإسراع «بتأليف حكومة فعالة وذات صدقية»، وبين تَسارُع مَظاهر الانهيار المميت الذي يضع البلاد على حافة فوضى يُخشى أن تَفتح واقعه على توتراتٍ تمس استقراره الأمني.
وإذ كانت بيروت تتحرى عن خلاصات محادثات نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في بيروت التي زارها (عصر الثلاثاء) معاوداً تظهير الاهتمام العربي المباشر بالوضع اللبناني ومستكشفاً آفاق الأزمة ومستطلعاً ما يمكن للدوحة أن تقوم به لمساعدة «بلاد الأرز» ومقدّماً دعماً غذائياً للجيش، برزتْ إشارةُ تفعيلٍ لـ «ديبلوماسية العمل معاً» حول لبنان التي أطلقتها واشنطن وباريس وسرعان ما توسعت لتصبح «ثلاثية» مع اللقاء الذي جمع وزراء خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكن وفرنسا جان ايف – لودريان والسعودية الأمير فيصل بن فرحان في 29 يونيو الماضي، على هامش مؤتمر قمة مجموعة العشرين، في مدينة ماتيرا في إيطاليا.
وذكرت السفارة الأميركية في بيان «هذه الزيارة تأتي عقب الاجتماع الثلاثي في شأن لبنان لكل من بلينكن ولودريان وبن فرحان»، موضحة «ستبحث السفيرة شيا خلال اجتماعاتها في المملكة خطورة الوضع في لبنان وستؤكد أهمية المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، فضلاً عن زيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي»، ومضيفة: «هذا، وبالشراكة مع نظيريها الفرنسي والسعودي، ستواصل السفيرة شيا العمل على تطوير الاستراتيجية الديبلوماسية للدول الثلاث التي تركّز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة».
من جهتها ذكّرت السفارة الفرنسية في سياق تحديد خلفيات الزيارة للسعودية بما سبق أن أعلنه لودريان وبلينكن من باريس في 25 يونيو في ما خص «عجز القادة السياسيين اللبنانيين، حتى الآن، عن تغليب المصلحة العامة للبنان على مصالحهم الخاصة»، مشيرة إلى أن غريو «ستشرح خلال لقاءاتها، ان من الملحّ أن يشكل المسؤولون اللبنانيون حكومة فعالة وذات صدقية تعمل بهدف تحقيق الإصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان.
وستعرب مع نظيرتها الأميركية عن رغبة فرنسا والولايات المتحدة في العمل مع شركائهما الإقليميين والدوليين، للضغط على المسؤولين عن التعطيل».
ويأتي هذا الحِراك غير العادي فيما يَمضي الملف الحكومي على تأزُّمه وسط ضخّ مناخاتٍ عن أن الرئيس المكلف سعد الحريري اتخذ قراره بالاعتذار وأن ترجمته «مسألة وقت»، من دون أن تتّضح دقة هذه التقارير ولا خلفيات الترويج لأن هذا الملف بات في مرحلة «ما بعد الاعتذار» والبحث عن بديلٍ يصرّ رئيس البرلمان نبيه بري على أن يزكيه الحريري كي لا يكون الاعتذار «فوضوياً».
وتعتبر أوساط مطلعة أن «الاستنفار الديبلوماسي» الغربي – العربي لا بد أن يؤخذ في الاعتبار في أي خطوة سيُقدِم عليها الحريري، توقيتاً ومضموناً، في ظل تساؤلاتٍ عن مصلحة زعيم «تيار المستقبل» في عزوفٍ عن المضي في مهمته من خارج تفاهمات إقليمية – دولية على حكومة انتخابات نيابية (لم يحن وقتها بعد) وبما يظهّر اعتذاره على أنه إقرار بأنه هو كان المشكلة في الأزمة وليس شروط التأليف التي خاض «معارك» حيالها مع فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وهي في غالبيتها شروط المجتمع الدولي، ناهيك عن ربْط نفسه بالمسؤولية عن أداء أي «بديل» لن يكون في وسعه أصلاً الانطلاق بالتكليف إلا من الثوابت التي كرّسها الحريري وتغطيها دار الفتوى.
وتنقل هذه الأوساط عن دوائر ديبلوماسية تحذيرها من إمعان المسؤولين في لبنان في «استنفاذ الفرص» ومن دفْع المجتمع الدولي لبلوغ مرحلة الشعور بأنه بات «بلا حيلة» بإزاء تَعاظُم الأزمة العاتية ومضيّ اللاعبين المحليين في «حِيَلهم» القديمة – الجديدة على أنقاض دولةٍ لم يبقَ منها إلا «هيكل عظمي» وزُجّ شعبها في ما يُخشى أنه صار صراعَ بقاء لا يحجبه التنكّر لمظاهر الانهيار الكبير.
إنها «حال الإنكار» التي طبعتْ، وفق الأوساط نفسها، كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمام سفراء ورؤساء بعثات ديبلوماسية والذي جاء أقرب إلى «تهديدات» في معرض «الاستنجاد» بالدول الشقيقة والصديقة لإنقاذ لبنان من «الحصار المُطْبَق» الذي اتهمهم بفرضه أو المشاركة فيه، والذي قوبل بردّ قاس وبلا «قفازاتٍ ديبلوماسية» من السفيرة الفرنسية التي وصفت الاجتماع الذي دعا إليه دياب بـ «المحزن والمتأخر»، معتبرة أن الانهيار هو «نتيجة متعمدة لسوء إدارة الطبقة السياسية وليس وليد حصار خارجي فأنتم تحاصرون أنفسكم بعدم تشكيل حكومة» متحدثة عن «إفقار متوحش» وعن «منفى قسري» لشباب لبنان.
ورغم «معاقبة» غريو بقطْع نقل كلمتَها على الهواء، فإن «هبّتها الاعتراضية» التي شكّلت سابقة ديبلوماسية لاقت تأييداً في مضمونها من السفيرة الأميركية، فيما نُقل أن السفير الكويتي عبدالعال القناعي كانت له مداخلةٌ أيضاً أكد فيها «أن الكويت والعرب لم يتركوا يوماً لبنان ولطالما مدّوا أيدي العون له على امتداد تاريخ أزماته».
ورأتْ الأوساط أن «فداحةَ هفوةِ» دياب تكمن في أنها تَزامنتْ مع مجمل التطورات التي تعكس محاولةً لتفعيل الدينامية الدولية الجديدة التي ارتسمتْ حيال الأزمة اللبنانية والتي جاءت في إطارها زيارة وزير خارجية قطر الشيخ الذي لم يحمل مبادرة محدَّدة (وهو ما كانت أشارت إليه «الراي» عشية وصوله) تتفرّد بها بلاده ولكن محادثاته عكستْ أن تأليف الحكومة الجديدة يشكل المدخل لأي دعم مالي، سيكون منطلقه بأي حال توصل لبنان إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإطلاق الإصلاحات، من دون أن ينطبق ذلك على الجيش اللبناني الذي كشفت «وكالة الانباء القطرية» («قنا») الرسمية أنّ الدوحة قررت دعمه بـ 70 طناً من المواد الغذائية شهريّاً لمدة سنة.
وأشارت الوكالة إلى أنّ «هذا الإعلان يأتي في إطار مساعي دولة قطر الثابتة للمساعدة في حَلحلة الأزمة السياسية في لبنان، والتزامها الثابت بدعم الجمهورية اللبنانية والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، بالإضافة إلى إيمانها الراسخ بأهمية وضرورة العمل العربي المشترك»، موضحةً أن وزير الخارجية كرّر «دعوة دولة قطر لجميع الأطراف اللبنانية إلى تغليب المصلحة الوطنية، والإسراع في تشكيل حكومة جديدة من أجل إرساء الاستقرار في لبنان».
وفي سياق الاهتمام الخارجي نفسه بالوضع اللبناني، برز تطوران إضافيان: الأول وصول منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير الفرنسي بيار دوكان لبيروت، في زيارة تستمر أياماً يلتقي خلالها الفاعليات الاقتصادية والسياسية بهدف «متابعة المساعدة الفرنسية والاستمرار في حض وتحفيز الشركاء الدوليين وتحديد الاحتياجات من أجل مؤتمر الدعم 3 الذي سيخصص للشعب اللبناني والذي سينظم قريباً» وسيكون برئاسة الرئيس ايمانويل ماكرون.
والثاني إعراب الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في اتصال مع وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية بالوكالة في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر (تخلله بحث موضوع التجديدة لقوة «اليونيفيل») «عن اهتمامه وقلقه من الوضع في لبنان»، مشدداً على «ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت للحفاظ على استقرار لبنان وأمنه».