كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
باتت كفة اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري هي الراجحة على ما يبدو، الّا في حال طرأت تحولات غير محسوبة، تعيد تعويم فرصة التشكيل قبل ان يحسم قراره بالانسحاب.
الظاهر، انّ الحريري يحتاج فقط الى بعض الوقت من أجل إجراء «جراحة تجميلية» للاعتذار المرتقب، وتحويله مكسباً له وليس هزيمة. و»حزب الله» الذي كان من داعمي بقاء الحريري، لم يعد يعارض انسحابه، وهو انتقل من مستوى عدم التشجيع على الاعتذار الى مستوى عدم ممانعته، ما دام الحريري قد أخذ كل الفرص اللازمة من أجل التشكيل ولم يوفّق، «وبالتالي فالاعتذار هنا يصبح وسيلة لكسر المراوحة وليس سبباً لتفاقم الازمة».
حتى الرئيس نبيه بري بات يتعاطى بواقعية مع هذا الخيار، اذا كان الحريري مصمماً عليه، ولكن شرط أن يتمّ التوافق مسبقاً على بديل يكون مقبولاً من رئيس تيار «المستقبل»، حتى يحصل انتقال سلس للتكليف من شخصية الى أخرى، تفادياً لتكرار تجربة الرئيس دياب ولاختصار آلام مخاض الاستشارات الملزمة.
ووفق المطلعين، فإنّ هناك مرشحين اثنين حتى الآن لخلافة الحريري، وهما الرئيس نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام، مع الاشارة الى انّ سلام هو المفضّل لدى بعض قوى 8 آذار، لكنه لا يزال رافضاً للتكليف.
وتفيد معلومات المطلعين، انّ الحريري تلقّى اخيراً نصيحة من جهة اقليمية بالاعتذار والتفرّغ للانتخابات النيابية المقبلة. وقد قيل له بوضوح انّ السعودية ليست في وارد فتح أبوابها حالياً، على رغم محاولاته الاستعانة بأكثر من صديق لكسر الجليد الذي يكسو علاقته بها، علماً انّ القريبين من «بيت الوسط» يصرّون على أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في نيات الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل، اللذين اصبحا لا يتقبّلان وجود الحريري في رئاسة مجلس الوزراء، الّا اذا كانا واثقين في أنّ الحكومة ستُشكّل بطريقة تضمن لهما القدرة على التحكّم بها من داخلها، وهذا ما يرفضه جذرياً الرئيس المكلّف.
في المقابل، هناك انطباع تعزّز لدى احد الناشطين على خط تدوير زوايا العِقَد الحكومية، بأنّ الحريري كان ولا يزال يتجنّب التشكيل قبل تسوية الأمور بينه وبين الرياض. ويروي «فاعل خير»، انّه تمّ ابتكار تسويتين مقبولتين لعقدتي تسمية الوزيرين المسيحيين ومنح الثقة البرتقالية للحكومة، ومع ذلك لم يحصل اتفاق بعد، ما يوحي بأنّ افتقار الحريري الى الموافقة السعودية هو أحد العوامل الاساسية التي تمنعه من التأليف، خصوصاً انّه يعلم أنّ دولاً عدة لن تساعد حكومة برئاسته، اذا كانت لا تحظى بغطاء الرياض وقبولها.
وبينما يترقب الجميع النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها زيارة السفيرتين الأميركية والفرنسية في بيروت الى المملكة، هناك من يعتبر انّ الوظيفة الاساسية لهذه الزيارة تندرج في سياق السعي الفرنسي- الأميركي الى إدارة الانهيار ومنع حدوث الارتطام الكبير، خشية من ان يقع لبنان بالكامل في قبضة «حزب الله» وايران ومشروعهما الشرقي، تبعاً للسيناريو الأسوأ الذي تأخذه في الحسبان بعض الدوائر الخارجية، وهذا ما يفّسر إعطاء الاولوية لمساعدة الجيش اللبناني ومنع تداعيه، كونه يشكّل بالنسبة إلى الأميركيين والاوروبيين المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها ضبط الأرض، في مرحلة انعدام الوزن والحؤول دون حصول فوضى غير خلاّقة، قد تصيب مصالح الدول وتخرج عن الإطار المرسوم.
والمفارقة، انّ «حزب الله» المستهدف اكثر من غيره بالضغط الاقتصادي، أنجز الى حد كبير تحصين بيئته المباشرة تحت شعار «الجوع ممنوع في بيئة المقاومة.» ويؤكّد العارفون انّ إعانات مالية وغذائية تُقدّم شهرياً إلى العائلات التي تعاني من الفقر المدقع، كذلك يتمّ التجاوب الفوري مع كل عائلة غير مدرجة على اللوائح وتطلب المساعدة المادية، من دون إخضاع الأمر الى أي تعقيدات. ويقارب الحدّ الأقصى للمبلغ الممنوح شهرياً الى مثل هذه الحالات نحو المليون ليرة.
ويجزم احد مسؤولي الحزب في هذا الإطار، بأن ليست هناك عائلة واحدة ضمن مناطق تواجد الحزب تشكو من الجوع بالمعنى الحرفي للكلمة، «من دون أن ينفي ذلك حدّة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الأخرى التي تلاحق الجمهور المؤيّد للمقاومة كما كل اللبنانيين».
وضمن سياق التحسّب لكل الاحتمالات، أنجز الحزب أيضاً خطة متكاملة لتأمين الدواء والمحروقات والمواد الغذائية، على أن يباشر تنفيذها، متى أصبحت الدولة عاجزة عن تأمين تلك المواد الحيوية.