لم يطل الوقت كثيرا للكشف عن الأهداف التي توجهت من أجلها السفيرتين الأميركية دوروتي شيا ونظيرتها الفرنسية آن غريو الى الرياض، فتلاحقت المواقف التي واكبت الإعلان عن نهاية مهمتهما بمجموعة من البيانات التي ساهمت في تشريح الزيارة وجدول أعمالها بانتظار معرفة النتائج التي افضت اليها.
اللافت، بحسب مصادر ديبلوماسية تحدثت الى “المركزية” أن وفي مقابل الصدمة التي تسبب بها الإعلان عن المهمة المزدوجة للسفيرتين، تسارعت المواقف في اتجاهات مختلفة وبدل السؤال عن الهدف منها والدعوة إلى الكشف عن جدول أعمالها استهدفت بقراءتين متناقضتين:
اولاها تحدثت عن “مشروع انتداب جديد وتدخل فاضح في الشؤون الداخلية اللبنانية” كمؤشر الى مخاوف بعض المعرقلين من الكشف عن الأسباب الحقيقية للازمة وامتداداتها الخارجية وقبول من يغطي هذا الوجه الوسخ من تسخير اللبنانيين في وقود حرب المحاور.
وثانيها برز عندما راح البعض الآخر يبني عليها الاحلام الهمايونية وكأنها ستقود الى حل العقدة الحكومية وما نتج منها وواكبها من أزمات مشكلة عن طريق تدخل دولي قد يصل الى حد وضع اليد على القضية وانهائها لصالح لبنان المعافى.
التوضيحات الخاصة بالزيارة توالت للتصويب على ما دار من أبحاث مع المراجع السعودية والتي على ما يبدو بقيت محصورة بالشأن الإغاثي والانساني عدا عن الدعم المطلوب للجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية في ظل تغييب الحديث عن الشأن السياسي رغم التركيز للمرة الألف في أدبيات الديبلوماسية الغربية والخليجية على اهمية ان يتوصل اللبنانيون الى تشكيل حكومة جديدة يمكنها الاضطلاع بالمهمة الأساسية المطلوبة منها قبل ان يحظى البلد المنهار بما يؤدي الى مرحلة التعافي والانقاذ.
وعند الدخول في التفاصيل تدعو المصادر الديبلوماسية الى ضرورة مراجعة سلسلة البيانات التي توالت في الساعات القليلة الماضية التي تلت الزيارة وكشفت عن أبعادها ووجهها الذي لم يكن معلنا. ولا يخفى على احد ان أولى الإشارات جاءت من مضمون البيان الذي صدر عن الخارجية السعودية التي أعلنت عن اللقاء الذي جمع وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية والاقتصادية السفير عيد بن محمد الثقفي بالسفيرتين. فهو المسؤول السعودي الذي يطل إلى الضوء للمرة الأولى في مثل الملف المطروح على بساط البحث.
وبعد البيان السعودي الذي تحدث عن المهمة، كان البيان المشترك الذي صدر عن الجانبين الاميركي والفرنسي قبل ان يواكبه الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الاميركية ليصوب البوصلة نحو المهمة التي نفذت في شكلها ومضمونها وتوقيتها تزامنا مع اطلالة الناطق الرسمي باسم البنتاغون ليضع النقاط على الحروف في إطار أشمل عندما تحدث في ملخص حديثه اليومي عن الوضع الحرج في لبنان والرهان على الجيش اللبناني من أجل ضمان الاستقرار، وربطه بالسياسة الخارجية الأميركية تجاه اذرع ايران في المنطقة والقضايا الأخرى التي تعالجها الإدارة الأميركية من عمق الملف النووي الايراني الى الوضع في اليمن وما يرافقه من اعتداءات على المملكة العربية السعودية الى الوضع في العراق والهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية، وكلها بهدف الإضاءة على مسؤولية ايران عما يجري في المناطق المشتعلة من عمق الشرق الاوسط الى طرفي الخليج العربي من زاويتي مضيقي هرمز وباب المندب.
وفي حين لفت المراقبون الى اهمية مضمون سلسلة البيانات هذه، توقفت المصادر الديبلوماسية أمام مجموعة العبارات والنصوص الموحدة التي اعتمدت في متنها قبل الإشارة الى ما يشكل من مفارقات في ما بينها. ولذلك لاحظ الجميع العبارات والمقاطع المستنسخة عن سلسلة البيانات المشتركة والفردية التي صدرت منذ لقاء باريس الذي عقد في 25 حزيران الذي جمع وزيري خارجية فرنسا والولايات المتحدة الاميركية جان ايف لودريان وانتوني بلينكن وصولا الى اللقاء الثلاثي الذي ضمهما في مدينة ماتيرا الإيطالية مع نظيرهما السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في 29 منه بعد ساعات على اجتماع البابا فرنسيس والوزير الأميركي قبيل “يوم الصلاة والتأمل من أجل لبنان” في الأول من تموز الجاري.
كان ذلك واضحا في مساره السياسي والديبلوماسي قبل ان يترجم الوزير بلينكن رغبة البابا بالإهتمام الإضافي بما يجري في لبنان فكان اللقاء الذي ضمه ونظيريه موعدا لإطلاق سلسلة أخرى من الاجتماعات أبرزها كان لقاء ” خيمة اليرزة البدوية” بين السفير السعودي وليد البخاري ونظيرته الاميركية، حيث تم الاتفاق على الزيارة العاجلة للسفيرتين الى الرياض وانحدر التمثيل من مستوى وزراء الخارجية الى مستوى السفراء ما يعني دخول المرحلة التنفيذية للاتفاق الذي تم التوصل إليه.
وإن أمعن المراقبون في تحليل المواقف التي رافقت سلسلة الاجتماعات هذه فقد ظهر جليا التشديد الجامع على ضرورة تشكيل حكومة جديدة في لبنان بالمواصفات المطلوبة. وما بقي ناقصا ان يكشف عن الالية التي يمكن اللجوء اليها لفكفكة العقد الداخلية والتوصل الى تجاوب اللبنانيين الصعب معها بعد التنازل عن مطالبهم الشخصية التي لا يمكن في حال الاصرار عليها التوصل الى ما يؤدي الهدف المطلوب.
وعند هذه المهمة الصعبة تتوقف المراجع الديبلوماسية لتقول إن ما جرى حتى اليوم كشف بطريقة لا لبس فيها العوامل الخارجية التي تحول دون عملية التأليف بعد أن ارتضى البعض ان يشكل موقفه من بعض العقد “التافهة” كالحديث عمن يسمي وزيرين مسيحيين او اعطاء ثقة التيار للحكومة والتشبث بها لتغليف العقد الخارجية التي تتحكم بالمواقف الى مرحلة حالت دون قدرة الأطراف جميعها على التراجع عن سقوفهم العالية مهما بلغت الاثمان التي يدفعها لبنان واللبنانيون قبل الاستعداد لمرحلة التأليف لتكون الخطوة الأولى المطلوبة نحو الحل المنشود مع الاعتراف المسبق بوعورة الطريق المؤدية الى اعادة الاعمار ومواجهة المصاعب المالية والنقدية والسياسية المختلفة.
على هذه الأسس تبقى الخشية قائمة من تعثر الخطوات الدولية التي بدأت بوادرها بالظهور من زوايا وعواصم مختلفة إن بقي اطراف الازمة مصرون على إنكار ما هو قائم وكيف يجب معالجته، كما بالنسبة الى المتحكمين ببوابات الحل على مواقفهم المتناقضة وستضيع الفرص الإضافية التي وفرها المجتمع الدولي لصالح استمرار الأزمة وتفاقمها الى درجة تصعب مواجهتها بالقدرات المحلية فيكون الارتطام الكبير نهاية حتمية لما يجري.